للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

اللهِ جلّ ثناؤه عن جوابِ إبليسَ إياه إذ سأله ما الذي منَعه من السجودِ لآدمَ فأحْوجَه إلى ألا يسجدَ له، واضْطرَّه إلى خلافِه [أمرَ ربِّه] (١)، وتركه طاعتَه، أن المانعَ كان له من السجودِ، والداعيَ له إلى خلافِ أمرِ ربِّه في ذلك، أنه أشدُّ منه أيْدًا (٢)، وأقوى منه قوةً، وأفضلُ منه فضلًا؛ لفضلِ الجنسِ الذي منه خُلِقَ، وهو النارُ، على (٣) الذي منه خُلِق آدمُ، وهو الطينُ، فجَهِلَ عدوُّ اللهِ وجهَ الحقِّ، وأخْطأ سبيلَ الصوابِ، إذ كان معلومًا أن مِن جوهرِ النارِ الخِفَّةَ والطيشَ والاضْطرابَ والارتفاعَ علوًّا، والذي في جوهرِها مِن ذلك هو الذي حَمَل الخبيثَ بعد الشقاءِ الذي كان (٤) سَبَق له مِن اللهِ في الكتابِ السابقِ، على الاستكبارِ عن السجودِ لآدمَ، والاسْتخْفافِ بأمرِ ربِّه، فأورَثَه العَطَبَ والهلاكَ، وكان معلومًا أن مِن جوهرِ الطينِ الرَّزانةَ والأناةَ والحلمَ والحياءَ والتثبُّتَ، وذلك الذي [هو مِن] (٥) جوهرِه من ذلك، كان الداعيَ لآدمَ، بعدَ السعادةِ التي كانت سَبَقَت له مِن ربِّه في الكتابِ السابقِ، إلى التوبةِ مِن خطيئتِه، ومسألتِه ربَّه العفوَ عنه والمغفرةَ. ولذلك كان الحسنُ وابنُ سيرينَ يقولان: أولُ مَن قاسَ إبليسُ. يعنيان بذلك القياس الخطأَ. وهو هذا الذي ذكرنا من خطإِ قولِه، وبُعْدِه مِن إصابةِ الحقِّ، في الفضلِ الذي خَصَّ اللهُ به آدمَ على سائرِ خلقِه، من خلقِه إياه بيدِه، ونفخِه فيه مِن روحه، وإسجادِه له ملائكتَه، وتعليمِه أسماءَ كلِّ شيءٍ، مع سائرِ ما خَصَّه اللهُ به مِن كرامتِه، فضَرَبَ عن ذلك كلِّه الجاهلُ صفحًا، وقَصَدَ إلى الاحتجاجِ بأنه خُلِقَ مِن نارٍ وخُلِقَ آدمُ من طينٍ، وهو في ذلك أيضًا له غيرُ كُفْءٍ، لو لم يكنْ لآدمَ مِن اللهِ تَكْرِمةٌ بشيءٍ غيرِه، فكيف والذي خُصَّ


(١) في ص، م، ت ١، ت ٢، ت ٣، س: "أمره به".
(٢) في م: "يدا". والأيد: القوة. اللسان (أ ى د).
(٣) سقط من: ص، ت ١، ت ٢، ت ٣، س، ف، وفى م: "من".
(٤) سقط من: ص، م، ت ١، ت ٢، ت ٣، س، ف.
(٥) في م: "في".