للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقال بعضُ نحويى الكوفةِ (١): ﴿وَلِبَاسُ﴾ يُرْفَعُ بقولِه: ولباسُ التقوى خيرٌ. ويُجْعَلُ ﴿ذَلِكَ﴾ مِن نعتِه.

وهذا القولُ عندى أولى بالصوابِ في رفعِ (٢) "اللباس"؛ لأنه لا وجهَ للرفعِ فيه (٣) إلا أن يَكونَ مرفوعًا بـ ﴿خَيْرٌ﴾، وإذا رُفِع بـ ﴿خَيْرٌ﴾ لم يكنْ في ﴿ذَلِكَ﴾ وجهٌ إلا أن يُجْعَلَ ﴿وَلِبَاسُ﴾ (٤) نعتًا؛ [لأنه لا] (٥) عائدَ على "اللباسِ" مِن ذكرِه في قولِه: ﴿ذَلِكَ خَيْرٌ﴾ فيكونَ ﴿خَيْرٌ﴾ مرفوعا بـ ﴿ذَلِكَ﴾، و هو ﴿ذَلِكَ﴾ به.

فإذ كان ذلك كذلك، فتأويلُ الكلامِ إذا (٦) رُفع ﴿وَلِبَاسُ التَّقْوَى﴾: ولباسُ التقوى ذلك الذي قد علِمْتُموه خيرٌ لكم يا بنى آدمَ مِن لباسِ الثياب التي تُوارِى سوءاتِكم، ومِن الرِّياشِ التي أنْزَلْناها إليكم، فالبَسُوه.

وأما تأويلُ مَن قرَأه نصبًا فإنه: يا بني آدمَ قد أنْزَلْنا عليكم لباسًا يُوارى سوءاتِكم وريشًا ولباسَ التقوى، هذا الذي أنْزَلْناه عليكم مِن اللباسِ الذي يُوارِى سوءاتِكم والريشِ ولباسِ التقوى - خيرٌ لكم من التعرِّي والتجرُّدِ مِن الثيابِ في طوافِكم بالبيتِ، فاتَّقوا الله والْبَسوا ما رزَقكم اللهُ مِن الرِّياش، ولا تُطِيعوا الشيطانَ بالتجرُّدِ والتعرِّى مِن الثيابِ، فإن ذلك سخريةٌ منه بكم وخُدْعةٌ، كما فعَل بأبويكم (٧) آدمَ وحواءَ، فخدَعَهما حتى جرَّدهما مِن لباسِ اللهِ الذي كان ألْبَسَهما، بطاعتِهما له في أكلِ ما كان اللهُ نهاهما عن أكلِه من ثمرِ الشجرةِ التي عصَياه بأكلِها.


(١) هو الفراء في معاني القرآن ١/ ٣٧٥.
(٢) في م: "رافع".
(٣) سقط من: ص، م، ت ١، ت ٢، ت ٣، س، ف.
(٤) في الأصل، م: "اللباس".
(٥) في ص، ت ١، ت ٢، ت ٣، س، ف: "لأنه"، وفى م: "لا أنه".
(٦) في م: "إذن".
(٧) في ص، ت ١، ت ٢، ت ٣، س، ف: "بأبيكم".