للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وهذه القراءةُ أولى القراءتين في ذلك عندى بالصوابِ (١)، أغنى نصبَ قولِه: (ولباسَ التقوى). لصحةِ معناه في التأويلِ على ما بيَّنْتُ، وأن اللَّهَ إنما ابْتَدَأَ الخبرَ عن إنزالِه اللباسَ الذي يُوارِي سوءاتِنا والرِّياشَ؛ توبيخًا للمشركين الذين كانوا يَتَجَرَّدون في حالِ طَوافِهم بالبيتِ، ويَأْمُرُهم بأخْذِ ثيابهم والاستتارِ بها في كلِّ حالٍ، مع الإيمانِ به واتباعِ طاعتِه، ويُعْلِمُهم أن كلَّ ذلك خيرٌ مِن كلِّ ما هم عليه مُقِيمون، مِن كفرِهم باللهِ وتَعَرِّيهم، [لا أنه] (٢) أعْلَمَهم أن بعضَ ما أنْزَل إليهم (٣) خيرٌ مِن بعضٍ.

ومما يَدُلُّ على صحة ما قلْنا في ذلك، الآياتُ التي بعد هذه الآيةِ، وذلك قولُه: ﴿يَا بَنِي آدَمَ لَا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ يَنْزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْآتِهِمَا﴾. وما بعدَ ذلك من الآياتِ إلى قولِه: ﴿أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ﴾. فإنه جلَّ ثناؤُه في كلِّ ذلك يَأْمُرُ بِأَخْذِ الزينةِ مِن الثيابِ واسْتِعمالِ اللباسِ، وتركِ التجرُّدِ والتعرِّى، وبالإيمانِ به واتباعِ أمرِه والعملِ بطاعتِه، ويَنْهَى عن الشركِ به واتباعِ أمرِ الشيطانِ، مُؤكِّدًا في كلِّ ذلك ما قد أجْمَله في قولِه: (يا بنى آدَمَ قد أَنْزَلْنا عليكم لباسًا يُوارِى سَوْءاتِكم وريشًا ولباسَ التقْوَى ذلك خيرٌ).

وأولى الأقوال بالصحة في تأويلِ قولِه: (ولباسَ التقْوَى). استِشْعارُ النفوسِ تقْوَى اللَّهِ، في الانتهاءِ عما نهَى اللهُ عنه مِن مَعاصِيه، والعملِ بما أمَر به مِن طاعتِه، وذلك يَجْمَعُ الإيمانَ به (٤)، والعملَ الصالحَ، والحياءَ، وخشيتَه (٥)، والسَّمْتَ


(١) القراءتان كلتاهما صواب.
(٢) في ص، ت ١، ت ٢، ت ٣، س، ف: "لأنه".
(٣) في ف: "عليهم".
(٤) سقط من: ص، ت ١، ت ٢، ت ٣، س، ف.
(٥) في ص، م، ت ١، ت ٢، ت ٣، س ف: "خشية الله".