للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقيل: ﴿وَلَا تَقْعُدُوا بِكُلِّ صِرَاطٍ﴾. ولو قيل في غيرِ القرآنِ: لا تَقَعُدوا في كلِّ طريقٍ (١). كان جائزًا فصيحًا في الكلامِ، وإنما جاز ذلك لأن الطريقَ ليس بالمكانِ المعلومِ، فجاز ذلك كما جاز أن يقالَ: قعَد له بمكان كذا، وعلى مكانِ كذا، وفى مكانِ كذا.

وقال: ﴿تُوعِدُونَ﴾. ولم يَقُلْ: تَعِدُون؛ لأن العربَ كذلك تَفْعَلُ فيما أبْهَمَت ولم تُفْصِحُ به مِن الوعيدِ، تقولُ: أَوْعَدْته - بالألف - وتقدَّم منى إليه وعيدٌ. فإذا بيَّنت عما أوْعَدَت وأفْصَحَت به، قالت: وعَدته خيرًا، ووعَدته شرًّا. بغيرِ ألفٍ، كما قال جلَّ ثناؤُه: ﴿النَّارُ وَعَدَهَا اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا﴾ [الحج: ٧٢].

وأما قولُه: ﴿وَتَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِهِ﴾. فإنه يقولُ: وتَرُدُّون عن طريقِ اللهِ، وهو الردُّ عن الإيمانِ باللهِ، والعملِ بطاعتِه ﴿مَنْ آمَنَ بِهِ﴾. يقولُ: تَرُدُّون عن طريقِ اللهِ مَن صدَّق باللهِ ووحَّدَه، ﴿وَتَبْغُونَهَا عِوَجًا﴾. يقولُ: وتَلْتَمِسون مَن (٢) سلَك سبيلَ اللَّهِ وآمَن به وعمِل بطاعتِه عِوَجًا عن القصدِ والحقِّ، إلى الزَّيْعُ (٣) والضلالِ.

كما حدَّثني محمدُ بنُ عمرٍو، قال: ثنا أبو عاصمٍ، قال: ثنا عيسى، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ: ﴿وَتَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ﴾. قال: أهلَها، ﴿وَتَبْغُونَهَا عِوَجًا﴾. تَلْتَمِسون لها الزيغَ (٤).


(١) في ص، م، ت ١، ت ٢، ت ٣، س، ف: "صراط".
(٢) في ص، م: "لمن".
(٣) في الأصل: "الريع".
(٤) في الأصل: "الريع".
والأثر أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره ٥/ ١٥٢١، ١٥٢٢ (٨٧٢٠، ٨٧٢٢) من طريق ابن أبي نجيح به، وعزاه السيوطي في الدر المنثور ٣/ ١٠٢ إلى ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن المنذر وأبى الشيخ.