للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بأمرِه بأخذ الصدقة من المسلمين.

فإن قال قائلٌ: أَفَمنسوخٌ ذلكَ؟ قيلَ: لا دَلالة عندنا على أنه منسوخٌ، إذ كان جائزًا أن يكونَ - وإن كان الله أنزله على نبيه في تعريفه عِشْرَةَ من لم يُؤْمَرُ بقتاله من المشركين - مرادًا (١) به تأديب نبيِّ الله والمسلمين جميعًا في عِشرة الناسِ، وأمرُهم بأخْذِ عَفْوِ أخلاقِهم، فيكونَ - وإن كان من أجلهم نزَل - تعليمًا مِن الله خلْقَهُ صفةَ عِشْرة بعضهم بعضًا، لم يجب استعمالُ الغِلظةِ والشِّدة في بعضِهم، فإذا وجب استعمال ذلك فيهم، استعمل الواجبَ، فيكون قوله: ﴿خُذِ الْعَفْوَ﴾ أمرًا بأخذه ما لم يجبْ غيرُ العفو، فإذا وجب غيرُه، أخَذ الواجب وغير الواجب إذا أمكن ذلك، فلا (٢) يُحكَمُ على الآية بأنها منسوخة لما قد بينا ذلك في نظائره في غير موضع من كُتبنا.

وأما قوله: ﴿وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ﴾. فإنّ أهل التأويل اختلفوا في تأويله.

فقال بعضُهم بما حدثنِي الحسنُ بنُ الزِّبْرِقانِ النَّخَعِيُّ، قال: ثنى حسينٌ الجعفيُّ، عن سفيان بن عيينة، عن رجل قد سمّاه، قال: لما نزلت هذه الآيةُ: ﴿خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ﴾. قال رسولُ اللَّهِ : "يا جِبْرِيلُ ما هَذَا؟ " قال: ما أدرِى حتى أسألَ العالِمَ، قال: ثم قال جبريلُ: يا محمد إنّ اللَّهَ يَأْمرُكَ أَنْ تَصِلَ من قطعك، وتُعطِىَ من حرمك، وتَعفُوَ عمّن ظلمك.

حدثني يونس (٣)، قال: أخبرنا سُفيانُ، عن أُميٍّ (٤)، قال: "لما أنزَل الله على نبيِّه


(١) في ص، ت ١، ت ٢، س، ف: "من أدائه".
(٢) في ص، ت ١، ت ٢، س، ف: "أن".
(٣) بعده في ف: "قال: أخبرنا ابن وهب".
(٤) في م: "أبي". وهو أمى الصيرفى. وينظر تهذيب الكمال ١١/ ١٧٧.