للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

تقومُ يا هذا. وهو يُرِيدُ: سرَّنى قيامُك. فكذلك يجِبُ أن يكونَ خطأً على هذا المذهب قولُ القائلِ: لا تقمْ. إذا كان المعنى: لا يكن منك قيامٌ. وفى إجْماعِ جميعِهم على صحةِ قولِ القائلِ: لا تَقُمْ. وفسادِ قولِ القائلِ: سرَّنى تَقُومُ. بمعنى: سرَّنى قيامُك - الدليلُ الواضحُ على فسادِ دعوى المُدَّعِى أن مع ﴿لَا﴾ التى في قوله: ﴿وَلَا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ﴾. ضميرَ "أن"، وصحةِ القولِ الآخرِ.

وفى قولِه: ﴿فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ﴾. وجهان مِن التأويلِ، أحدُهما: أن يَكونَ ﴿فَتَكُونَا﴾ فى نيةِ العطفِ على قولِه: ﴿وَلَا تَقْرَبَا﴾ فيكونَ تأويلُه حينَئذٍ: ولا تَقْرَبا هذه الشجرةَ، ولا تكونا من الظالمين. فيكونَ ﴿فَتَكُونَا﴾ حينَئذٍ في معنى الجزمِ مجزومًا بما جُزِم به: ﴿وَلَا تَقْرَبَا﴾. كما يقولُ القائلُ: لا تُكَلِّمْ عَمْرًا وتُؤْذِه. كما قال امرُؤُ القيسِ (١).

فقلتُ له صوِّبْ ولا تَجْهَدَنَّهُ … فَيُذْرِكَ مِن أُخرَى القَطاةِ (٢) فَتَزْلَقِ

فجزَم "يُذْرك" بما جزَم به "لا تَجْهَدَنَّه"، كأنه كرَّر النهىَ.

والثانى: أن يكونَ ﴿فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ﴾. بمعنى جوابِ النهىِ، فيكونَ تأويلُه حينَئذٍ: تَقْرَبا هذه الشجرةَ، فإنكما إن قَرِبْتُماها كنتما مِن الظالمين. كما تقولُ: لا تَشْتُمْ زيدًا (٣) فيَشْتُمَك مُجازاةً. فيكونَ ﴿فَتَكُونَا﴾ حينَئذٍ في موضعِ نَصبٍ إذ كان حرفًا عُطِفَ على غيرِ شكلِه، لمَّا كان فى ﴿وَلَا تَقْرَبَا﴾ حرفٌ عاملٌ فيه لا (٤) يَصْلُحُ إعادتُه في ﴿فَتَكُونَا﴾، فنُصِب على ما قد بيَّنْتُ فى أولِ هذه المسألةِ.


(١) ديوانه ص ١٧٤.
(٢) القطاة: موضع الردف عن الدابة خلف الفارس. اللسان (ق ط و).
(٣) في ص، م، ت ١، ت ٢، ت ٣: "عمرًا".
(٤) في ص، م: "ولا".