للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وأما تأويلُ قولِه: ﴿فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ﴾. فإنه يعنى به: فتكونا من المُتَعدِّين إلى غيرِ ما أُذِن لهم فيه وأُبيح لهم. وإنما عَنَى بذلك أنكما إن قرِبْتُما هذه الشجرةَ كنتما على مِنْهاجِ مَن تَعدَّى حُدودي، وعَصَى أمري، واسْتَحلَّ مَحارِمي، لأنَّ الظالمين بعضُهم أولياءُ بعضٍ، واللهُ وليُّ المُتَّقِين.

وأصلُ الظلمِ في كلامِ العربِ وضعُ الشيءِ في غيرِ موضعِه، ومنه قولُ نابغةِ بنى ذُبْيانَ (١):

إلَّا أَوارِىَّ (٢) لَأيًا ما أُبَيِّنُها … والنُّؤْىُ كالحوضِ بالمَظْلومةِ الجَلَدِ

فجعَل الأرضَ مظلومةً؛ لأنَّ الذي حفَر فيها النُّؤْىَ حفَر في غيرِ موضعِ الحفرِ، فجعَلها مظلومةً [لوضعِ الحُفْرةِ] (٣) منها في غيرِ موضعِها. ومِن ذلك قولُ ابنِ قَمِيئةَ في صفةِ غَيْثٍ (٤):

ظلَم البِطاحَ (٥) به (٦) انْهلالُ (٧) حَريصةٍ (٨) … فَصَفَا النِّطافُ (٩) له بُعَيْدَ المُقْلَعِ (١٠)


(١) تقدم في ص ١٨٤.
(٢) في الأصل، م: "الأوارى". ويروى بالوجهين، وقد تقدم بدون الألف واللام في جميع النسخ في الموضع السابق.
(٣) في ص: "لموضع الحفر".
(٤) كذا نسبه المصنف، وورد هذا البيت في ديوان ابن قميئة ص ٢٠٧ على أنَّه من الشعر المنسوب إليه وليس
في مخطوطة الديوان. والصواب أنه للحادرة، ينظر المفضليات ص ٤٤، وديوان شعر الحادرة ص ٣٠٨.
(٥) البطاح: بطون الأودية. التاج (ب ط ح).
(٦) في م، ت ١، ت ٢، ت ٣: "بها". وفى المفضليات: "له". والمثبت من الأصل، ص موافق لما في ديوان شعر الحادرة.
(٧) انهل المطر انهلالا: سال بشدة. اللسان (هـ ل ل).
(٨) الحريصة: السحابة التى تقشر وجه الأرض بمطرها. التاج (ح ر ص).
(٩) النطاف: القليل من الماء، وقيل: هى الماء الصافى قلَّ أو كثر. اللسان (ن ط ف).
(١٠) المقلع: الإقلاع؛ وهو الإمساك والكف. التاج (ق ل ع).