فقد رُوِيَت هذه الأخبارُ -عمَّن روَيْناها عنه مِن الصحابةِ والتابعين وغيرِهم- في صفةِ استزلالِ إبليسَ عدوِّ اللهِ آدمَ وزوجتَه حتى أخْرَجَهما مِن الجنةِ.
قال أبو جعفرٍ: وأولى ذلك بالحقِّ عندَنا ما كان لكتابِ اللهِ مُوافِقًا، وقد أخْبَر اللهُ تعالى ذكرُه عن إبليسَ أنه وسْوَس لآدَمَ وزوجتِه ليُبْدِىَ لهما ما وُورِى عنهما مِن سَوْءاتِهما، وأنه قال لهما: ﴿مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ إِلَّا أَنْ تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ﴾. وأنه قاسَمهما: ﴿إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ النَّاصِحِينَ﴾. مُدَلِّيًا لهما بغُرورٍ. ففى إخْبارِ اللهِ تعالى ذكرُه عن عدوِّ اللهِ أنه قاسَم آدمَ وزوجتَه بقيلِه لهما: ﴿إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ النَّاصِحِينَ﴾. الدليلُ الواضحُ على أنه قد باشَر خطابَهما بنفسِه، إما ظاهرًا لأعينِهما، وإما مُسْتَجِنًّا في غيرِه، وذلك أنه غيرُ معقولٍ في كلامِ العربِ أن يُقالَ: قاسَم فلانٌ فلانًا في كذا وكذا. إذا سبَّب له سببًا وصَل به إليه دونَ أن يَحْلِفَ له، والحَلِفُ لا يكونُ بتَسَبُّبِ السببِ، فكذلك قولُه: ﴿فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطَانُ﴾ [طه: ١٢٠]. لو كان ذلك كان منه إلى آدمَ على نحوِ الذي منه إلى ذريتِه -مِن تَزْيينِ أكلِ ما نهَى اللهُ آدمَ عن أكلِه مِن الشجرةِ، بغيرِ مباشرةِ خطابِه إياه بما اسْتَزَلَّه به مِن القولِ والحِيَلِ- لَما قال تعالى ذكرُه: ﴿وَقَاسَمَهُمَا إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ النَّاصِحِينَ﴾. كما غيرُ جائزٍ أن يَقولَ اليومَ قائلٌ ممَّن أتَى معصيةً: قاسَمَنى إبليسُ أنه لى ناصحٌ فيما زيَّن لى مِن المعصيةِ التى أتَيْتُها. فكذلك الذي كان مِن آدمَ وزوجتِه لو كان على النحوِ الذي يكونُ فيما بينَ إبليسَ اليومَ وذريةِ آدمَ، لما قال تعالى ذكرُه: ﴿وَقَاسَمَهُمَا إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ النَّاصِحِينَ﴾. ولكن