للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

على فراشِ النبىِّ تلك الليلةَ، وخرَج النبىُّ حتى لحِق بالغارِ، وبات المشركون يحرُسون عليًّا، يحسَبون أنه النبىَّ ، فلما أصبَحوا ثاروا إليه، فلما رأوه عليًّا ، ردَّ اللهُ مكرَهم، فقالوا: أين صاحبُك؟ قال: لا أَدْرِى. فاقتصُّوا أَثَرَه، فلما بلَغوا الجبلَ ومرُّوا بالغارِ، فرأوا على بابِه نَسْجَ العنكبوتِ، قالوا: لو دخَل هاهنا لم يكنْ نسجٌ على بابِه. فمكَث فيه ثلاثًا (١).

حدَّثني محمدُ بنُ الحسينِ، قال: ثنا أحمدُ بنُ مفضَّلٍ، قال: ثنا أسباطُ، عن السُّدِّىِّ: ﴿وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ﴾. قال: اجتمَعت مشيخةُ قريشٍ يتشاورون في النبىِّ بعدَما أَسْلَمت الأنصارُ، وفرِقوا أن يتعالى أمرُه إذ وجَد ملجأً لجأ إليه. فجاء إبليسُ فى صورةِ رجلٍ من أهلِ نَجْدٍ، فدخَل معهم فى دارِ الندوةِ، فلما أنْكَروه قالوا: من أنت، فواللهِ ما كلُّ قومِنا أعلمناهم مجلسَنا هذا؟ قال: أنا رجلٌ من أهلِ نجدٍ أسمَعُ من حديثِكم وأُشيرُ عليكم. فاستحْيُوا فخلَّوا عنه، فقال بعضُهم: خُذوا محمدًا إذا اضْطجَع (٢) على فراشِه، فاجعَلوه في بيتٍ نتربَّصُ به رَيْبَ المنونِ -والرَّيبُ هو الموتُ، والمَنونُ هو الدهرُ- قال إبليسُ: بئسما قلت، تجعَلونه في بيتٍ فيأتي أصحابُه فيخرجونه، فيكونُ بينكم قتالٌ؟ قالوا: صدَق الشيخُ. قال: أخرِجوه من قريتِكم. قال إبليسُ: بئسما قلت، تُخرِجونه من قريتِكم وقد أَفْسَد سفهاءَكم، فيأتى قريةً أُخرى فيفسدُ سفهاءَهم، فيأتيكم بالخيلِ والرجالِ؟ قالوا: صدَق الشيخُ. قال أبو جهلٍ -وكان أولاهم بطاعةِ إبليسَ-: بل نعمِدُ إلى كلِّ بطنٍ من بطونٍ قريشٍ


(١) أخرجه أحمد ٥/ ٣٠١ (٣٢٥١)، والخطيب في تاريخ بغداد، ١٣/ ١٩١، والطبراني (١٢١٥٥) من طريق عبد الرزاق به. وهو في تفسير عبد الرزاق ١/ ٢٥٨، والمصنف ٥/ ٣٨٩ تحت (٩٧٤٣) لكن عن مقسم قوله.
(٢) فى م: "اصطبح".