للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ذكرُ مَن قال ذلك

حدَّثنا ابنُ حميدٍ، قال: ثنا يحيى بنُ واضحٍ، عن الحسينِ بنِ واقدٍ، عن يزيدَ النحوىِّ، عن عكرمةَ والحسنِ البصرىِّ، قالا: قال فى "الأنفال": ﴿وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ﴾. فنسَختها الآيةُ التي تليها: ﴿وَمَا لَهُمْ أَلَّا يُعَذِّبَهُمُ اللَّهُ﴾. إلى قولِه: ﴿فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ﴾. فقوتلوا بمكةَ، وأصابهم فيها الجوعُ والحَصْرُ (١).

وأولى هذه الأقوالِ عندى فى ذلك بالصوابِ قولُ من قال: تأويلُه: وما كان اللهُ ليعذِّبَهم وأنت فيهم يا محمدُ، وبينَ أظهرِهم مقيمٌ، حتى أُخرِجَك من بينِ أظهرِهم؛ لأنى لا أُهْلِكُ قريةً وفيها نبيُّها، وما كان اللهُ معذِّبَهم وهم يستغفِرون من ذنوبِهم وكفرِهم، ولكنهم لا يستغفرون من ذلك، بل هم مصرُّون عليه، فهم للعذابِ مستحقُّون، كما يقالُ: ما كنتُ لِأُحْسِنَ إليك وأنت تسيءُ إلىَّ. يرادُ بذلك: لا أُحْسِنُ إليك إذا أسأت إلىَّ. أو: (٢) لو أسأْتَ إلىَّ لم أحسنْ إليك، ولكن أُحسنُ إليك لأنك لا تسئُ إلىَّ. وكذلك ذلك، ثم قيل: ﴿وَمَا لَهُمْ أَلَّا يُعَذِّبَهُمُ اللَّهُ وَهُمْ يَصُدُّونَ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ﴾. بمعنى: وما شأنُهم وما يمنَعُهم أن يعذِّبَهم اللهُ وهم لا يستغفِرون اللهَ من كفرِهم فيؤمنوا به، وهم يصُدُّون المؤمنين باللهِ ورسولِه عن المسجدِ الحرامِ.

وإنما قلنا: هذا القولُ أَوْلى الأقوالِ فى ذلك بالصوابِ؛ لأن القومَ، أعنى


(١) أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره ٥/ ١٦٩٣ من طريق أبي تميلة يحيى بن واضح به.
(٢) في م: "و".