للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مشركي مكةَ، كانوا اسْتَعْجلوا العذابَ، فقالوا: اللهمَّ إن كان ما جاء به محمدٌ هو الحقَّ، فأمطِرْ علينا حجارةً من السماءِ أو ائتنا بعذابٍ أليمٍ. فقال اللهُ لنبيِّه: ما كنتُ لأعذِّبَهم وأنتَ فيهم، وما كنتُ لأعذِّبَهم لو استغفروا، وكيف لا أعذِّبُهم بعدَ إخراجِك منهم وهم يصُدُّون عن المسجدِ الحرامِ. فأَعْلَمه جلَّ ثناؤُه أن [الذي استَعْجلوه مِن] (١) العذابِ حائقٌ بهم ونازلٌ، وأَعْلَمهم حالَ نزولِه بهم، وذلك بعد إخراجِه إياه من بينِ أظهرِهم. ولا وجهَ لإيعادِهم العذابَ في الآخرةِ وهم مستعجِلوه فى العاجلِ، ولا شكَّ أنهم في الآخرةِ إلى العذابِ صائرون، بل في تعجيلِ اللهِ لهم ذلك يومَ بدرٍ الدليلُ الواضحُ على أن القولَ فى ذلك ما قلنا.

وكذلك لا وجهَ لقولِ من وجَّه قولَه: ﴿وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ﴾. إلى أنه عُنِى به المؤمنون، وهو في سياقِ الخبرِ عنهم، وعما اللهُ فاعلٌ بهم، ولا دليلَ على أن الخبرَ عنهم قد تقضَّى، وعلى أن ذلك به عُنوا (٢)، وألا (٣) خِلافَ في تأويلِه من أهلِه موجودٌ.

وكذلك أيضًا لا وجهَ لقولِ من قال: ذلك منسوخٌ بقولِه: ﴿وَمَا لَهُمْ أَلَّا يُعَذِّبَهُمُ اللَّهُ وَهُمْ يَصُدُّونَ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ﴾ الآية؛ لأن قولَه جلَّ ثناؤُه: ﴿وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ﴾. خبرٌ، والخبرُ لا يجوزُ أن يكونَ فيه نسخٌ، وإنما يكون النسخُ للأمرِ أو (٤) النهيِ.

واخْتَلف أهلُ العربيةِ فى وجهِ دخولِ "أن" فى قولِه: ﴿وَمَا لَهُمْ أَلَّا يُعَذِّبَهُمُ اللَّهُ


(١) فى م: "الذين استعجلوا"، وفى ف: "الذين استعجلوه من".
(٢) في ص، ت ١، ت ٢، س، ف: "عنهم"
(٣) في م، ف: "لا".
(٤) فى م: "و".