للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يَأْمنون بها، وجعَلوا يزدادون ويكثُرون، وأنه أسلَم من الأنصارِ بالمدينةِ ناسٌ كثيرٌ، وفشا بالمدينةِ الإسلامُ، وطَفِق أهلُ المدينةِ يَأتون رسولَ اللهِ بمكة؛ فلما رأت قريشٌ ذلك، تَوامَرتْ (١) على أن يَفْتِنوهم ويَشْتَدُّوا (٢) عليهم، فأخَذوهم وحَرِصوا على أن يَفْتِنوهم، فأصابَهم جَهْدٌ شديدٌ، وكانت الفِتنةَ الآخِرةَ، فكانت ثِنتين؛ فتنةً أخرَجت من خرَج منهم إلى أرضِ الحبشةِ، حينَ أمَرهم رسولُ اللَّهِ بها وأذِن لهم في الخروجِ إليها، وفتنةً لمَّا رجَعوا ورَأوا من يأتيهم مِن أهلِ المدينةِ، ثم إنه جاء رسولَ اللَّهِ مِن المدينةِ سبعون نَقِيبًا (٣) رءوسُ الذين أسلَموا، فوافَوه بالحجِّ، فبايَعوه بالعَقَبةِ، وأعطَوه على: أنا منك وأنت منا، وعلى أن مَن جاء من أصحابِك، أو جِئْتَنا، فإنا نمنَعُك مما نَمْنَعُ منه أنفسَنا. فاشتَدَّت عليهم قريشٌ عندَ ذلك، فأمَر رسولُ اللهِ أصحابَه أن يَخرُجوا إلى المدينةِ، وهى الفتنةُ الآخرةُ التي أخرَج فيها رسولُ اللهِ أصحابَه وخرَج هو، وهى التى أَنزَلَ اللهُ فيها: ﴿وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ﴾ (٤).

حدَّثني يونسُ، قال: أخبَرنا ابنُ وهبٍ، قال: أخبَرني عبدُ الرحمنِ بنُ أبى الزِّنادِ، عن أبيه، عن عروةَ بنِ الزبيرِ، أنه كتَب إلى الوليدِ: أما بعد، فإنك كتبت إلىَّ تَسألُنى عن مخرَج رسولِ اللهِ مِن مكةَ، وعندى بحمدِ اللَّهِ من ذلك علمٌ بكلِّ ما كتَبتَ تسألُنى عنه، وسأُخبِرُك إن شاءَ اللهُ، ولا حولَ ولا قوَّةَ إلا باللهِ، ثم ذكر نحوه (٥).


(١) في تفسير ابن كثير: "تآمرت": وهما بمعنى واحد.
(٢) فى م، ف: "يشدوا".
(٣) في م، ف: "نفسا".
(٤) ذكره المصنف في تاريخه ٢/ ٢٣٨، ٣٢٩ عن عبد الوارث بن عبد الصمد به إلى قوله: "أشرافهم". وذكره ابن كثير كاملا في تفسيره ٣/ ٥٩٨، ٥٩٩ نقلا عن المصنف.
(٥) ذكره ابن كثير في تفسيره ٣/ ٥٩٩.