للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

"يَحْسَبُ" خبرًا الغير مُخبَرٍ عنه مذكورٍ، وإنما كان مراده - ظنِّي (١) -: ولا يَحْسَبَنَّ الذين كفَروا سبَقوا إنهم لا يُعْجِزوننا، فلم يُفَكِّرْ في صوابِ مَخْرَجِ الكلامِ وسُقْمِه، واسْتَعْمَل في قراءتِه ذلك كذلك ما ظهَر له مِن مفهومِ الكلامِ، وأحْسَبُ أن الذي دعاه إلى ذلك الاعتبارُ بقراءةِ عبدِ اللَّهِ، وذلك أنه فيما ذُكر في مصحفِ عبدِ اللَّهِ: (ولا يَحْسَبَنَّ الذين كفروا أنهم سبقوا إنهم لا يعجزون) (٢). وهذا فصيحٌ صحيحٌ إذا أُدْخِلَت "أنهم" في الكلامِ؛ لأن "يَحْسَبَنَّ" عاملةٌ في "أنهم". وإذا لم يَكُنْ في الكلام "أنهم" كانت خاليةً من اسمٍ تَعْمَلُ فيه.

وللذى قرَأ (٣) ذلك مِن القرأةِ وجهانِ في كلامِ العربِ، وإن كانا بعيدَيْن مِن فصيحِ كلامِهم؛ أحدُهما: أن يَكونَ أُرِيدَ به: ولا يَحْسَبَنَّ الذين كفَروا أن سبَقوا، أو أنهم سبَقوا. ثم حذَف "أن وأنهم"، كما قال جلَّ ثناؤُه: ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفًا وَطَمَعًا﴾ [الروم: ٢٤]. بمعنى: أن يُرِيَكم. وقد يُنْشَدُّ في نحوِ ذلك بيتٌ لذي الرُّمَّةِ (٤):

أَظَنَّ (٥) ابن طُرْثُوثٍ عُتَيْبَةُ (٦) ذاهبًا … بعادِيَّتِي (٧) تَكْذابه وجَعَائِلهْ (٨)

بمعنى: أَظَنَّ ابْنُ طُرْثُوثٍ أَن يَذْهَبَ بِعادِيَّتى تكذابه وجَعائِلُه؟ وكذلك قراءةُ


(١) في م: "بطى". والمراد: في ظنى.
(٢) الذي في كتاب المصاحف لابن أبي داود أن قراءة عبد الله: (ولا يحسب الذين كفروا سبقوا). المصاحف ص ٦٢، وينظر البحر المحيط ٤/ ٥١٠.
(٣) بعده في م: "من".
(٤) ديوان ذي الرمة ص ٢/ ١٢٦٤.
(٥) في ديوانه: "لعل".
(٦) في النسخ: "عيينة". والمثبت من مصدر التخريج. وينظر معاني القرآن للفراء ١/ ٤١٥.
(٧) العادية: البئر القديمة. وهى بئر اختصموا فيها. ينظر الديوان ٢/ ١٢٦٤، واللسان (ع و د)
(٨) جعائله: ما جعَل للسلطان ورشاد. الديوان ٢/ ١٢٦٤.