على سواء، غيرَ أنه جُعِل له الاستعدادُ لنفسِه، والارْتيادُ لها من الأَجَل الأربعةِ الأشهرِ. ألَا تَرَى الله يقولُ لأصحاب الأشهر الأربعةِ، ويَصفُهم بأنهم أهلُ عَهْدٍ: ﴿بَرَاءَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (١) فَسِيحُوا فِي الْأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللَّهِ﴾. وَوَصَف المجعولَ لهم انسلاخَ الأشهرِ الحرمِ أجلًا، بأنهم أهلُ شِرْكِ لا أهلَ عَهْدِ، فقال: ﴿وَأَذَانٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ أَنَّ اللَّهَ بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ﴾. الآية - ﴿إِلَّا الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ﴾. الآية، ثم قال: ﴿فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ﴾. فأمَر بقتلِ المُشْرِكين الذين لا عَهْدَ لهم بعدَ انسلاخ الأشهر الحُرُمِ، وبإتمام عَهْدِ الذين لهم عَهْدٌ، إذا لم يكونوا نَقَضُوا عهدَهم بالمُظاهرةِ على المؤمنين، وإدخالِ النَقْصِ فيه عليهم.
فإن قال قائلٌ: وما الدليلُ على أن ابتداءَ التأجيل كان يوم الحَجِّ الأكبرِ، دونَ أن يكونَ كان مِن شَوَّالٍ، على ما قاله قائلو ذلك؟
قيل له: إن قائلى ذلك، زَعَموا أن التأجيلَ كان مِن وَقْتِ نُزولِ "براءةَ"، وذلك غيرُ جائزٍ أن يكونَ صحيحًا؛ لأن المجعولَ له أجلُ السياحةِ إلى وَقْتٍ محدودٍ، إذا لم يَعْلَمْ ما جُعِل له ولا سيما مع عَهْدِ له قد تَقَدَّم قبل ذلك بخلافِه، فكمَن لم يُجْعَلْ له ذلك؛ لأنه إذا لم يَعْلَمُ ما لَه في الأجل الذي جُعِل له، وما عليه بعدَ انْقِضائِه، فهو كهيئته قبلَ الذي جُعِل له من الأجَلِ. ومعلومٌ أن القومَ لم يَعْلَموا بما جُعِل لهم من ذلك، إلا حينَ نُودِى فيهم بالموسمِ. وإذا كان ذلك كذلك، صَحَّ أن ابتداءَه ما قُلنا، وانقضاءه كان ما وَصَفْنا.
وأما قوله: ﴿فَسِيحُوا فِي الْأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ﴾. فإنه يعنى: فسِيرُوا فيها مُقْبِلِين ومُدْبِرِين، آمِنين غيرَ خائِفِين مِن رسولِ الله ﷺ وأتباعِه.