البيتَ بعدَ العامِ مُشْرِكٌ، ولا يَطُوف بالبيتِ عُرْيانٌ، ولا يَدْخُلَ الجنةَ إلا نفسٌ مُسْلِمَةٌ، وأن يَتِمَّ إلى كلِّ ذى عَهْدٍ عهدُه. قال مَعْمَرٌ: وقاله قتادةُ (١).
قال أبو جعفر،﵀: فقد أَنْبَأَتْ هذه الأخبارُ ونظائرها عن صحةِ ما قُلنا، وأن أَجَلَ الأشهر الأربعةِ إنما كان لَمَن وَصَفْنا. فأمَّا مَن كان عهدُه إلى مُدَّةٍ مَعْلومةٍ، فلم يَجعَلْ لرسول الله ﷺ وللمؤمنين لنَقْضِه ومُظاهَرةِ أعدائِهم عليهم سبيلًا، فإن رسول الله ﷺ قد وَفَّى له بعهده إلى مُدَّتِه، عن أمر الله إياه بذلك. وعلى ذلك دَلَّ ظاهرُ التنزيل، وتَظاهَرَت به الأخبارُ عن الرسول ﷺ.
وأما الأشهرُ الأربعةُ، فإنها كانت أَجَلَ مَن ذَكَرْنا، وكان ابتداؤُها يومَ الحَجِّ الأكبرِ، وانقضاؤها انقضاءَ عَشْرٍ من ربيع الآخرِ، فذلك أربعةٌ أشهرٍ متتابعةٍ، جُعِل لأهلِ العَهْدِ الذين وَصَفْنا أَمْرَهم فيها السياحة في الأرضِ، يَذْهَبون حيث شاءوا، لا يَعْرِضُ لهم فيها من المسلمين أحدٌ بحربٍ، ولا قتلٍ، ولا سَلْبٍ.
فإن قال قائلٌ: فإذا كان الأمرُ في ذلك كما وَصَفتَ، فما وَجْهُ قوله: ﴿فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ﴾. وقد عَلِمتَ أن انسلاخها انسلاخُ المحرمِ، وقد زَعَمْتَ أن تأجيلَ القومِ مِن اللهِ ومِن رسوله كان أربعةَ أشهر، وإنما بين يوم الحجِّ الأكبر، وانسلاخ الأشهرِ الحُرُمِ خمسون يومًا أكثره، فأين الخمسون يومًا من الأشهر الأربعة؟
قيل: إن انسلاخ الأشهرِ الحُرُمِ، إنما كان أَجَلَ مَن لا عهد له مِن المشركين من رسول الله ﷺ، والأشهر الأربعة لمن له عَهْدٌ، إما إلى أجلٍ غيرِ محدودٍ، وإمَّا إلى أجلٍ محدودٍ قد نَقَضَه، فصارَ بنَقْضِه إياه بمعنى مَن خِيفَ خيانتُه، فاسْتَحَقَّ النَّبْذَ إِليه