للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رسول الله يومَ حنينٍ قال: يا رسولَ اللهِ، لن نُغْلَبَ اليومَ مِن قِلَّةٍ. وأعجَبَته كثرةُ الناسِ، وكانوا اثْنى عشَرَ ألفًا. فسارَ رسولُ الله ، فوُكِلوا إلى كلمةِ الرجلِ، فانهزَموا عن رسول الله غيرَ العباسِ، وأبي سُفْيانَ بن الحَارِثِ، وأيمن ابن أمِّ (١) أيمنَ، قُتِل يومئذٍ بينَ يَديه، فنادى رسول الله : "أينَ الأنصار؟ أين الذين بايعوا تحت الشجرةِ؟ ". فتراجع الناسُ، فأنزل الله الملائكة بالنصر. فهزموا المشركين يومئذٍ، وذلك قوله: ﴿ثُمَّ أَنزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَنزَلَ جُنُودًا لَّمْ تَرَوْهَا﴾ الآية (٢).

حدثنا محمد بن عبد الأعلى، قال: ثنا محمدُ بنُ ثَوْرٍ، عَن مَعْمَرٍ، عن الزُّهْرِيِّ، عَن كَثِيرِ بن عباسِ بن عبدِ المُطَّلبِ، عن أبيه، قال: لما كان يومُ حُنَينٍ، التقَى المسلمون والمشركون، فولَّى المسلمون يومَئذٍ. قال: فلقد رأيتُ النبيَّ وما معه أحدٌ إلا أبو سفيان بن الحارثِ بن عبد المطَّلِب، آخِذًا بغَرْزِ النبي ، لا يَأْلو ما أسرع نحو المشركين. قال: فأتيتُ حتى أخَذتُ بلِجامِه، وهو على بغلة له شَهْباءَ، فقال: "يا عباسُ، نادِ أصحابَ السَّمْرَةِ". وكنتُ رجلًا صَيِّتًا، فأذنتُ بصَوتى الأعلى: أين أصحابُ السَّمرَةِ؟ فالتفتوا كأنها الإبل إذا حنَّت (٣) إلى أولادها، يقولون: يا لبَّيك، يا لبَّيك، يا لبَّيك. وأقبل المشركون، فالتقوا هم والمسلمون، وتَنادَت الأنصارُ: يا معشر الأنصارِ. ثم قُصِرَت الدعوة في بني الحارث بن الخزرجِ، فتَنَادَوا: يا بني الحارث بن الخزرجِ. فنظر رسول الله وهو على بغلته، كالمتطاول إلى قتالهم، فقال: "هذا حينَ حَمِيَ الوَطِيسُ". ثم أَخَذ بيده من


(١) في ف: "أو".
(٢) أخرج أوله ابن أبي حاتم في تفسيره ٦/ ١٧٧٣ من طريق أحمد بن مفضل به.
(٣) في ص، ت ١، س، ف: "حشرت".