للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

النبي في غزوة حُنَينٍ، فلما رَكَدَت (١) الشمسُ، لَبَسْتُ لأمَتِى، ورَكِبتُ فرسِى، حتى أتيتُ النبيَّ وهو في ظِلِّ شجرةٍ، فقلتُ: يا رسول الله، قد حانَ الرَّوَاحُ. فقال: "أَجَلْ". فنادَى: "يا بلالُ، يا بلالُ". فقام بلالٌ مِن تحتِ سَمُرَةٍ (٢)، فأقبل كأن ظَلَّه ظِلُّ (٣) طيرٍ، فقال: لبيك وسَعديك، ونفسى فِداؤك يا رسول الله. فقال له النبي : "أَسْرِجُ فَرَسى". فَأَخْرَج سَرْحًا دَفْتاه حَشْوهما ليفٌ، ليس فيهما أشَرٌ، ولا بَطَرٌ. قال: فرَكِب النبي ، فَصافَقْناهم يومنا وليلتنا، فلما التقَى الخَيْلان، وَلَّى المسلمون مُديرين كما قال الله، فنادَى رسول الله : "يا عِبادَ الله، يا معشر المهاجرين". قال: ومال النبي عن فرسه، عن فرسه، فَأَخَذَ حَفْنَةً مِن تُراب، فرَمَى بها وجوهَهم، فوَلُّوا مُدْبِرِين. قال يَعْلَى بن عطاءٍ: فَحَدَّثني أبناؤهم عن آبائهم أنهم قالوا: ما بَقِى مِنَّا أحدٌ إلا وقد امْتَلأت عَيناه مِن ذلك الترابِ (٤).

حدثنا محمدُ بنُ المُثَنَّى، قال: ثنا محمد بن جعفر، قال: ثنا شعبة، عن أبي إسحاقَ، قال: سمعتُ البراء، وسأله رجلٌ مِن قيسٍ: فَرَرْتُم عن رسول الله يومَ حُنَينٍ؟ فقال البَرَاءُ: لكنَّ رسول الله لم يَفِرَّ، وكانت هَوازِنُ يومَئِذٍ رُماةً، وإِنَّا لمَّا حَمَلنا عليهم انكشَفوا، فأكْبَيْنا على الغنائمِ، فاسْتَقْبَلونا بالسِّهام، ولقد رأيتُ رسول الله على بغلته البيضاءِ، وإن أبا سفيان بن الحارث آخِذٌ بلجامِها، وهو


(١) ركدت الشمس: إذا قام قائم الظهيرة. قال الزمخشري: وللشمس ركود، وهو أن تدوم حيال رأسك كأنها لا تريد أن تبرح أساس البلاغة، وتاج العروس (ر ك د).
(٢) في ص، ت ١، ت ٢ س: "شجرة". والسمرة هي الشجرة التي كانت عندها بيعة الرضوان عام الحديبية. لسان العرب (س م ر).
(٣) سقط من: ص، ت ١، ت ٢، س، ف.
(٤) أخرجه الطيالسي (١٤٦٨)، وابن سعد ٢/ ١٥٦، وابن أبي شيبة ١٤/ ٥٢٩، وأحمد ٥/ ٢٨٦ (الميمنية)، وأبو داود (٥٢٣٣)، وابن أبي عاصم في الآحاد والمثانى (٧٦٣)، والطبراني ٢٢/ ٢٨٨ (٧٤١)، والبيهقى في دلائل النبوة ٥/ ١٤١، وغيرهم من طريق حماد بن سلمة به، وعزاه السيوطي في الدر المنثور ٣/ ٢٢٤ إلى البغوي في معجمه وابن مردويه.