للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

عند قبرٍ من تلك القبورِ تَبْكى وتقولُ: يا مُطْعِماه، ويا كاسياه. فقال لها: وَيْحَكِ، مَن كان يُطْعِمُكِ [أو يَكْسُوكِ أو يَسْقِيكِ أو] (١) يَنْفَعُكِ قبلَ هذا الرجل؟ قالت: الله. قال: فإن الله حيٌّ لم يَمُتْ. قالت: يا عُزيرُ، فمن كان يُعَلِّمُ العلماءَ قبل بنى إسرائيل؟ قال: الله. قالت: فلِمَ تَبكى عليهم؟ فلما عَرَف أنه قد خُصِمٍ، وَلَّى مُدْبِرًا، فَدَعَتْه فقالت: يا عُزيرُ، إذا أصبحت غدًا فأتِ نهر كذا وكذا فاعْتَسِل فيه، ثم اخرُجْ فَصَلِّ ركعتين، فإنه يأتيك شيخٌ، فما أعطاك فخُذْه. فلما أصبح انطلَق عُزَيرٌ إلى ذلك النهر فاغتَسل فيه، ثم خَرَج فصَلَّى ركعتين، فجاءه الشيخ فقال: افتَحْ فمَك (٢). ففَتَح فمَه، فألقَى فيه شيئًا كهيئة الجمرة العظيمةِ، مجتمعٌ (٣) كهيئة القوارير، ثلاث مرارٍ. فَرَجَع عُزَيرٌ وهو من أعلم الناس بالتوراةِ، فقال: يا بنى إسرائيلَ، إنى قد جِئْتُكم بالتوراةِ. فقالوا: يا عُزَيرُ، ما كنتَ كَذَّابًا. فَعَمِد فَرَبَط على كلَّ إصْبَعٍ له قَلَمًا، وكتب بأصابعه كلِّها، فكتب التوراة كلَّها، فلما رَجَع العلماءُ أُخْبِروا بشَأْنِ غزيرٍ، فاستخرج أولئك العلماء كتبهم التي كانوا رفعوها (٤) من التوراة في الجبالِ، وكانت في خَوَابٍ (٥) مدفونةٍ، فعارضوها بتوراةِ عُزَيرٍ، فوجدوها مثلها، فقالوا: ما أعطاك الله هذا إلا أنك ابنُه (٦).

واختلفت القرأة في قراءة ذلك؛ فقرأته عامة قرأة أهل المدينة وبعضُ المكِّيِّين والكوفيِّين: (وقالت اليهودُ عُزَيْرُ ابن اللَّهِ). لا يُنَوِّنون "عُزيرا" (٧). وقرأه بعضُ


(١) في م: "و".
(٢) سقط من: ص، ت ١، ت ٢، س، ف.
(٣) في م: "مجتمعا".
(٤) في م: "دفنوها".
(٥) الخوابي: جمع خابية، وهى الجرة الكبيرة. التاج (خ ب أ).
(٦) أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره ٦/ ١٧٨١، ١٧٨٢ من طريق أحمد بن مفضل به.
(٧) وهى قراءة نافع وابن كثير وأبي عمرو - في رواية - وابن عامر وحمزة. السبعة لابن مجاهد ص ٣١٣.