للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

حدَّثني يونسُ، قال: أخبرَنا ابن وَهْبٍ، قال: قال ابن زيد في قولِه: ﴿وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ﴾. قال: الكثرُ ما كُنِزَ عن طاعةِ الله وفريضتِه، وذلك الكَنْزُ. وقال: افتُرِضَت الزكاة والصلاة جميعًا لم يُفَرَّق بينهما.

وإنما قلنا: ذلك على الخصوص؛ لأن الكثر في كلامِ العربِ كلُّ شيءٍ مجموعٌ بعضُه على بعض، في بطنِ الأرضِ كان أو على ظهرها. يدلُّ على ذلك قول الشاعرِ (١):

لا دَرَّ دَرِّيَ إِنْ أَطْعَمْتُ نازِلَهم … قِرْفَ الحَتِيِّ وعندى البُرُّ مَكْنُوزُ (٢)

يعنى بذلك: وعندى البُرُّ مجموعٌ بعضُه على بعض. وكذلك تقولُ العربُ للبَدَنِ المجتمعِ: مُكْتَنَزٌ، لانضمامِ بعضه إلى بعض.

وإذا كان ذلك معنى الكَنْزِ عندَهم، وكان قوله: ﴿وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ﴾. معناه: والذين يَجْمَعون الذهب والفضة بعضها إلى بعض ولا يُنفِقُونها في سبيل الله. وهو عامُّ في التلاوة، و (٣) لم يَكُنْ في الآية بَيان كم ذلك القدرُ من الذهب والفضة الذي إذا جُمِع بعضُه إلى بعض اسْتَحَقَّ الوعيدَ - كان معلومًا أن خصوصَ ذلك إنما أُدْرِكَ لوَقْفِ الرسولِ عليه، وذلك كما بَيَّنَّا مِن أنه المالُ الذي لم يُؤدَّ حقٌّ الله منه من الزكاةِ دون غيره؛ لما قد أوضحنا من الدلالة على صحته.

وقد كان بعضُ الصحابة يقولُ: هي عامةٌ في كلِّ كَثرٍ، غير أنها خاصةٌ في


(١) هو المتنخل الهذلي، والبيت في ديوان الهذليين ٢/ ١٥.
(٢) لا دردرى: يقول لا رزقت الدَّرَّ، كأنه قال ذلك لنفسه كالهازئ. وقرف كل شيء ما قُرِف يعنى قِشرَه، والذي يقلع عنه ويؤكل. والحَتِيُّ: المُقل، وهو الدَّوم. شرح ديوان الهذليين ٣/ ١٢٦٣.
(٣) سقط من النسخ، والصواب إثباتها.