للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فإن قال قائل: فما أنْكَرْتَ أن يكونَ ذلك كناية عن "الاثنى العشر الشهر"، وإن كان الذي ذَكَرْتَ هو المعروف في كلام العربِ؟ فقد علمت أن المعروف مِن كلامها إخراج كناية ما بين الثلاثِ إلى العشرِ بالهاء دون النونِ، وقد قال الشاعر (١):

أَصْبَحْنَ فِي قُرْحٍ (٢) وفِي دَارَاتِها (٣)

سَبْعَ ليالٍ غَيْرَ مَعْلُوفاتِها

ولم يَقُلْ: مَعْلوفاتهن. وذلك كنايةٌ عن السَّبْع؟

قيل: إن ذلك وإن كان جائزًا، فليس بالأفصح الأعرف في كلامها، وتوجيهُ كلام الله إلى الأفصح الأغرفِ أَوْلى مِن تَوجيهه إلى الأنكرِ.

فإن قال (٤): فإن كان الأمرُ على ما وَصَفتَ، فقد يجب أن يكونَ مُباحًا لنا ظُلْمُ أنفسنا في غيرِهنَّ مِن سائر شهور السنة.

قيل: ليس ذلك كذلك، بل ذلك حرام علينا في كلِّ وقتٍ وزمانٍ، ولكن الله عَظَّمَ حُرمة هؤلاء الأشهرِ وشَرَّفَهن على سائر شهور السنة، فَخَصَّ الذنب فيهن بالتعظيمِ، كما خَصَّهنَّ بالتشريف، وذلك نظير قوله: ﴿حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى﴾ [البقرة: ٢٣٨]. ولا شكَّ أن الله قد أَمَرَنا بالمحافظة على الصلوات المفروضات كلِّها بقوله: ﴿حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ﴾. ولم يُبحْ تَرْكَ


(١) معاني القرآن للفراء ١/ ٤٣٥ ونسبه إلى أبى القمقام الفقعسى، وحماسة أبي تمام ٢/ ٤١٦ من أبيات نسب بعضها إلى عمرو بن لجأ.
(٢) القرح: سوق وادى القرى. معجم البلدان ٤/ ٥٣.
(٣) داراتها: جمع دارة، وهى: كل أرض واسعة بين جبال. اللسان (د و ر).
(٤) بعده في م: "قائل".