للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وأما المعنى في قولِه: ﴿وَاتَّقُوا يَوْمًا لَا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئًا﴾. فإنه تحذيزٌ مِن اللهِ تعالى ذكرُه عبادَه الذين خاطَبَهم بهذه الآيةِ، عقوبته أن تَحِلَّ بهم يومَ القيامةِ، وهو اليومُ الذى لا تَجْزِى فيه نفسٌ عن نفسٍ شيئًا، ولا يَجْزِى فيه والدٌ عن ولدِه، ولا مولودٌ هو جازٍ عن والدِه شيئًا.

وأما تأويلُ قولِه ﴿لَا تَجْزِي نَفْسٌ﴾. فإنه يعنى: لا تُغْنى.

كما حدَّثنى به موسى بنُ هارونَ، قال: حدَّثنا عمرٌو، قال: حدَّثنا أسْباطُ، عن السُّدِّىِّ: ﴿وَاتَّقُوا يَوْمًا لَا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئًا﴾: أما ﴿تَجْزِي﴾ فتُغْنِى (١).

وأصلُ الجزاءِ في كلامِ العربِ القَضاءُ والتَّعْويضُ، يقالُ: جزَيْتُه قَرْضَه ودَيْنَه، أَجْزِيه جَزاءً. بمعنى: قضَيْتُه دَيْنَه. ومِن ذلك قيل: جزَى اللهُ فلانًا عنى خيرًا أو شرًّا. بمعنى: أثابه عنى، وقضاه عنى ما لزِمنى له بفعلِه الذى سلَف منه إلىَّ.

وقد قال قومٌ مِن أهلِ العلمِ بلغةِ العربِ: يُقالُ: أجْزَيْتُ عنه كذا. إذا أعَنْتَه عليه، وجزَيْتُ عنك فلانًا. إذا كافَأْتَه.

وقال آخَرون منهم: بل: جزَيْتُ عنك: قضَيْتُ عنك، وأجْزَيْتُ: كفَيْتُ.

وقال آخَرون منهم: بل هما بمعنًى واحدٍ، يُقالُ: جزَتْ عنك شاةٌ وأجْزَتْ، وجزَى عنك درهمٌ وأجْزَى، ولا تَجْزِى عنك شاةٌ ولا تُجْزِى. بمعنًى واحدٍ. إلا أنهم ذكَروا أنَّ: جزَت عنك، ولا تُجْزِى عنك، مِن لغةِ أهلِ الحجازِ، وأن: أجْزَأ وتُجْزِئُ، مِن لغةِ غيرِهم. وزعَموا أن تميمًا خاصَّةً مِن بينِ قبائلِ العربِ تقولُ: أجْزَأَتْ عنك شاةٌ، وهى تُجْزِئُ عنك.

وزعَم آخَرون أن "جَزَى" بلا همزٍ: قضَى، و"أجْزَأ" بالهمزِ: كافَأ.


(١) أخرجه ابن أبى حاتم في تفسيره ١/ ١٠٤ (٤٩٨) من طريق عمرو بن حماد به.