للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الله تلك الغزوة حينَ طابَت الثمارُ والظِّلالُ، وأنا إليهما أصْعَرُ (١)، فَتَجهَّز رسول الله والمسلمون معه، وطَفِقْتُ أغْدو لكى أتَجهَّز معهم (٢)، فلم أقض مِن جَهازى شيئًا، ثم غَدوتُ فرَجَعتُ ولم أقض شيئًا، فلم يَزَلْ ذلك يَتَمادَى حتى أسْرَعوا وتفارَطَ الغَزْوُ، وهَمَمْتُ أن أرْتَحِلَ فَأُدْرِكَهم، فيا ليتني فعَلتُ، فلم يُقَدَّرْ ذلك لي، فَطَفِقْتُ إِذا خَرَجْتُ في الناس بعد خروج النبيِّ يُحْزِنُنِى أَن لا أَرَى لى أُسوةً إلا رجلًا مَغْموصًا عليه في النفاقِ، أو رجلًا ممن عَذَرَ اللهُ مِن الضعفاء، ولم يَذْكُرْنى رسول الله حتى بَلَغَ تبوكَ، فقال وهو جالسٌ في القوم بتبوك: "ما فَعَلَ كعبُ بن مالكٍ؟ ". فقال رجلٌ مِن بنى سَلِمةَ: يا رسولَ اللهِ، حَبَسَه بُرْداه، والنظرُ في عِطْفَيْه. فسَكَتَ رسول الله ، فبَيْنا هو على ذلك، رأى رجلًا مُبَيِّضًا (٣) يزولُ به السرابُ (٤)، فقال رسولُ اللهِ : "كُنْ أبا خَيْثمةَ". فإذا هو أبو خَيْثمةَ الأنصاريُّ، وهو الذي تَصَدَّقَ بصاع التمرِ، فَلَمَزَه المنافقون. قال كعبٌ: فلما بلغنى أن رسول الله . [قد توجَّه] (٥) قافِلًا من تبوك، حَضَرَني بَثِّي (٦)، فَطَفِقْتُ أتذكَّرُ الكذب، وأقولُ: بم أخرُجُ مِن سَخَطِه غدًا؟ وأستعينُ على ذلك بكلِّ ذى رأي من أهلي، فلما قيل لي (٧): إن رسول الله قد أَظَلَّ قادِمًا. زاحَ عنى الباطلُ، حتى


(١) في س، ف: "أصغر". وأَصعَرُ: أَميَلُ. النهاية ٣/ ٣١.
(٢) بعده في ص، ت ١، ت ٢، س، ف: "والمسلمون معه". بعده في صحيح مسلم: "فقال له معاذ بن جبل: بئس ما قلت! والله يا رسول الله ما علمنا عليه إلا خيرًا". وينظر مسند الطيالسي (١٠٣٤).
(٣) مبيض، كمحدِّث: لابس ثيابا بيضًا. قال ابن الأثير: ويجوز أن يكون مُبيضًا بسكون الباء وتشديد الضاد، من البياض. التاج (ب ى ض) والنهاية ١/ ١٧٣.
(٤) يزول به السراب: يرفعه ويظهره. يقال: زال به السراب. إذا ظهر شخصه فيه خيالًا. النهاية ٢/ ٣١٩.
(٥) سقط من: ص، ت ١، ت ٢، س، ف.
(٦) في م: "همى". والبث: أشد الحُزن. النهاية ١/ ٩٥.
(٧) سقط من: ص، م.