للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

القرآن تاب على الثلاثة، وقال للآخرين: ﴿سَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَكُمْ إِذَا انْقَلَبْتُمْ إِلَيْهِمْ لِتُعْرِضُوا عَنْهُمْ﴾، حتى بلغ: ﴿لَا يَرْضَى عَنِ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ﴾ [التوبة: ٩٥ - ٩٦].

قال ابن شهابٍ: وأخبرنى عبدُ الرحمن بنُ عبدِ اللهِ بن كعب بن مالكٍ أن عبد الله بن كعبِ بن مالكٍ - وكان قائدَ كعبٍ مِن بَنيه حينَ عَمِيَ - قال: سمِعتُ كعبَ بنَ مالكٍ يُحدِّثُ حديثَه حينَ تَخَلَّفَ عن رسولِ اللهِ في غزوة تبوك، قال كعبٌ: لم أَتَخلَّفْ عن رسول الله في غزوة غزاها قَطُّ، إلا في غزوة تبوك، غير أنِّى قد تَخَلَّفْتُ في غزوة بدرٍ، ولم يُعاتَبْ أَحدٌ (١) تَخَلَّفَ عنها، إنما خرَج رسول الله والمسلمون يُريدون عير قريشٍ، حتى جمع الله بينهم وبينَ عدوِّهم على غير ميعادٍ، ولقد شَهِدتُ مع رسول الله ليلة العقبة، ليلة العقبة، حينَ تَواثَقْنا على الإسلام، وما أُحِبُّ أن لى بها مشهدَ بدرٍ، وإن كانت بدرٌ أذكرَ في الناس منها.

فكان من خبرى حينَ تَخلَّفتُ عن النبيِّ في غزوة تبوك أني لم أكُنْ قَطُّ أقوَى ولا أيسرَ منى حينَ تَخلَّفْتُ عنه في تلك الغزوة، والله ما جمعتُ قبلها راحلتين قَطُّ، حتى جمَعتُهما في تلك الغزوةِ، فَغَزاها رسولُ اللهِ في حَرٍّ شديدٍ، واسْتقبل سفرًا بعيدًا ومَفاوِزَ، واستقبل عدوًّا كثيرًا، فجَلَّى للمسلمين أمرَهم، ليتأهَّبُوا أُهْبَةَ غَزْوهم، فأخبَرهم بوجههم (٢) الذي يريدُ، والمسلمون مع النبيِّ كثيرٌ، ولا يجمعُهم كتابٌ حافظٌ - يريدُ بذلك الديوانَ - قال كعبٌ: فما رجلٌ يريدُ أن يَتَغيَّبَ إلا يَظُنُّ أن ذلك سَيَخْفى، ما لم ينزل فيه وَحْىٌ من الله، وغَزا رسولُ


(١) في م، ف: "أحدًا".
(٢) في م: "بوجهه".