للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فإن قال قائلٌ: ليس ذلك خبرًا عن المُكذِّبِين (١)، ولكنه (٢) خطابٌ للنبيِّ ، أنه شاهدُه إذ تَلَا القرآنَ.

فإن ذلك لو كان كذلك، لكان التنزيلُ: (إذ تُفِيضُ فيه)؛ لأن النبيَّ واحدٌ لا جمعٌ (٣)، كما قال: ﴿وَمَا تَتْلُو مِنْهُ مِنْ قُرْآنٍ﴾. فأفرَده بالخطاب، ولكن ذلك في ابتدائِه خطابَه بالإفرادِ، ثم عَوْدِه إلى إخراجِ الخطابِ على الجمعِ (٤)، نظيرَ قولِه: ﴿يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ﴾ [الطلاق: ١]. وذلك أن في قولِه: ﴿إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ﴾، دليلًا واضحًا على صَرْفِه الخطابَ إلى جماعةِ المسلمين مع النبيِّ مع جماعةِ الناسِ غيرِه؛ لأنه ابتَدَأ خطابه، ثم صَرَفَ الخطابَ إلى جماعةِ الناسِ، والنبيُّ فيهم.

وخبرٌ عن أنه لا يعملُ أحدٌ من عبادِه عملًا إلا وهو له شاهدٌ، يُحْصِى عليه ويَعْلَمُه، كما قال: ﴿وَمَا يَعْزُبُ عَنْ رَبِّكَ﴾ يا محمدُ، عملُ خلقِه، ولا يذهبُ عليه علمُ شيءٍ حيثُ كان مِن أرضٍ أو سماءٍ.

وأصلُه مِن عُزُوبِ الرجل عن أهلِه فى ماشيتِه، وذلك غيبتُه عنهم فيها. يقالُ منه: عَزَبَ الرجلُ عن أهلِه يَعْزُبُ، ويَعْزبُ، لغتان فصيحتان، قَرَأَ بكلِّ واحدةٍ منهما جماعةٌ من القرأةِ، وبأيَّتِهما قَرَأَ القارئُ فمُصِيبٌ؛ لاتفاقِ مَعْنَيَيهما، واسْتِفاضتِهما فى منطقِ العربِ، غيرَ أنى أميلُ إلى الضَّمِّ فيه؛ لأنه أغلبُ على المشهورين مِن القرأةِ (٥).


(١) في ص، ت ١، ت ٢، س، ف: "المتكذبين".
(٢) فى م: "لكن".
(٣) في ص، ت ٢، س: "جميع".
(٤) في ص، ت ١، ت ٢، س: "الجميع".
(٥) قرأ الكسائي بكسر الزاي، وقرأ نافع وابن كثير وأبو عمرو وابن عامر وعاصم وحمزة بضمها. التيسير ص ١٠٠.