للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقد رُوىَ عن ابنِ عباس خبرٌ يَدُلُّ على خلافِ هذا القولِ، وذلك ما حدَّثني به المُثنى، قال: ثنا أبو صالحٍ، قال: ثني معاويةُ، عن علىٍّ، عن ابنُ عباسٍ قولَه: ﴿ذُرِّيَّةٌ مِنْ قَوْمِهِ﴾. يقولُ: بنى إسرائيلَ (١).

فهذا الخبرُ يُنبيُّ عن (٢) أنه كان يَرَى أن الذُّريَّةَ في هذا الموضعِ، هم بنو إسرائيلَ دونَ غيرِهم مِن قومِ فرعونَ.

وأَولى هذه الأقوالِ عندى بتأويلِ الآيةِ، القولُ الذي ذكرْتَه عن مجاهدٍ، وهو أن الذريةَ فى هذا الموضعِ، أُريد بها ذُرِّيةٌ مَن أُرسِل إليه موسى مِن بني إسرائيلَ، فهَلَكوا قبلَ أن يُقِرُّوا بِنُبُوَّته لطولِ الزمانِ، فأدركَتْ ذُرِّيتُهم، فآمنَ منهم مَن ذَكَر اللهُ بموسى.

وإنما قلتُ: هذا القولُ أولى بالصوابِ فى ذلك؛ لأنه لم يَجْرِ في هذه الآيةِ ذكرٌ لغيرِ موسى، فلأن تكونَ "الهاءُ" فى قولِه: ﴿مِنْ قَوْمِهِ﴾ من ذكر موسى لقُربها مِن ذكرِه، أولى مِن أن تكونَ مِن ذكرِ فرعونَ لبُعدِ ذكرِه منها، إذ لم يكن بخلافِ ذلك دليلٌ مِن (٣) خبرٍ ولا نظرٍ.

وبعدُ، فإن في قولِه: ﴿عَلَى خَوْفٍ مِنْ فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِمْ﴾. الدليلَ الواضحَ على أن "الهاءَ" فى قولِه: ﴿إِلَّا ذُرِّيَّةٌ مِنْ قَوْمِهِ﴾. من ذكرِ موسى، لا مِن ذكرِ فرعونِ؛ لأنها لو كانت مِن ذكرِ فرعونَ، لكان الكلامُ: على خوفٍ منه. ولم يكن: على خوفٍ مِن فرعونَ.


(١) أخرجه ابن أبي حاتم فى تفسيره ٦/ ١٩٧٥ من طريق أبي صالح به.
(٢) في الأصل: "على"، وفي م: "عنه".
(٣) في الأصل: "في".
ـ