وأما قولُه: ﴿عَلَى خَوْفٍ مِنْ فِرْعَوْنَ﴾. فإنه يعنى على حالِ خوفٍ ممِّنْ آمَنَ مِن ذُرِّية قومِ موسى بموسى.
فتأويلُ الكلامِ: فما آمن لموسى إلا ذريةٌ مِن قومِه، من بنى إسرائيلَ، وهم خائِفونَ من فرعونَ ومَلَئِهم أن يَفتِنوهم.
وقد زَعَم بعضُ أهلِ العربيةِ أنه إنما قيل: ﴿فَمَا آمَنَ لِمُوسَى إِلَّا ذُرِّيَّةٌ مِنْ قَوْمِهِ﴾، لأن الذين كانوا آمنوا به إنما كانت أُمَّهاتُهم من بني إسرائيلَ، وآباؤُهم مِن القِبْط، فقيل لهم: الذريةُ. من أجل ذلك، كما قيل لأبناءِ الفُرْسِ الذين أُمَّهَاتُهم مِن العَرَبِ وآباؤُهم مِن العَجَمِ: أبناءٌ (١).
والمعروفُ مِن معنى الذريَّةِ فى كلامِ العربِ، أنها أعقابُ من نُسِبَتْ إليه من قِبَلِ الرجالِ والنساءِ. كما قال الله جلَّ ثناؤُه: ﴿ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ﴾ [الإسراء: ٣]. وكما قال: ﴿وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ﴾. ثم قال بعدُ: ﴿وَزَكَرِيَّا وَيَحْيَى وَعِيسَى وَإِلْيَاسَ﴾ [الأنعام: ٨٥،٨٤]. فجَعل مَن كان مِن قِبَل الرجال والنساء من ذرية إبراهيمَ.
وأما قولُه: ﴿وَمَلَئِهِمْ﴾. فإن الملأَ الأشرافُ. وتأويلُ الكلام: على خوفٍ مِن فرعونَ ومن أشرافِهم.
واختلَفَ أهلُ العربيةِ فى مَن عُنِى بالهاءِ والميمِ اللتين فى قولِه: ﴿وَمَلَئِهِمْ﴾. فقال بعضُ نحوبى أهل البصرة: غنى بها الذريةُ، وكأنه وَجَّه معنى الكلامِ إلى: ﴿فَمَا آمَنَ لِمُوسَى إِلَّا ذُرِّيَّةٌ مِنْ قَوْمِهِ عَلَى خَوْفٍ مِنْ فِرْعَوْنَ﴾، وملأِ الذريةِ مِن بَنى إسرائيل.