للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يحلفوا لإعراضهم (١)، وقال الشاعرُ (٢):

سمَوتَ ولم تَكُن أَهلاً لِتَسْمُو … ولكنَّ المُضَيَّعَ قد يُصَابُ

قال: وإنما يقالُ: وما كنتَ أهلًا للفعلِ. ولا يقالُ: لتفعل. إلا قليلًا. قال: وهذا منه.

والصوابُ مَن القولِ فى ذلك عندى أنها لامُ كي، ومعنى الكلامِ: ربَّنا أعطيتَهم ما أعطيتَهم مِن زينةِ الحياةِ الدنيا والأموالِ لتفتنَهم فيه، ويُضلوا عن سبيلِك عبادَك عقوبةً منك، وهذا كما قال جلّ ثناؤه: ﴿لَأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقًا (١٦) لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ﴾ [الجن: ١٦، ١٧].

وقوله: ﴿رَبَّنَا اطْمِسْ عَلَى أَمْوَالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلَى قُلُوبِهِمْ﴾. هذا دعاءٌ من موسى، دعا اللهَ على فرعونَ وملئِه أن يُغَيِّرَ أموالَهم عن هيئتِها، ويُبَدِّلَها إلى غيرِ الحالِ التي هي بها، وذلك نحوَ قولِه: ﴿أَنْ نَطْمِسَ وُجُوهًا فَنَرُدَّهَا عَلَى أَدْبَارِهَا﴾ [النساء: ٤٧]. يعنى به: منِ قبلِ أن نغيرَها عن هيئتِها التي هي بها.

يقالُ منه: طَمَسْتُ عينَه أطمِسَها، وأطمُسَها طمْسًا وطُمُوسًا. وقد تَستِعملُ العربُ الطمسَ فى العُفُوِّ والدُّثورِ، وفى الاندقاقِ والدُّروسِ، كما قال كعبُ بنُ زهيرٍ (٣):

مِن كلٍّ نضَّاحَةِ الذِّفْرَى إِذا عَرِقَت … عُرضَتُها طَامسُ الأعلامِ مجهولُ

وقد اختَلف أهلُ التأويلِ في تأويلِ ذلك في هذا الموضعِ؛ فقال جماعةٌ منهم فيه مثلَ قولِنا


(١) يريد: الجعلهم يعرضون. وجاءت هذه العبارة فى اللسان بأوضح من هذا، قال: "المعنى: لإعراضكم عنهم وهم لم يحلفوا لكي تعرضوا، وإنما حلفوا لإعراضهم عنهم".
(٢) البيت في شرح التصريح ٢/ ٢٣٦، واللسان (ل و م).
(٣) تقدم في ٤/ ١١.