للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

واختلفت القرأةُ في قراءةِ ذلك؛ فقرأتْه عامةُ قرأةِ أهلِ المدينةِ وبعضُ أهلِ البصرةِ والكوفةِ (فَعَمِيَتْ)، بفتحِ العينِ وتخفيفِ الميمِ بمعنى: فعَمِيت الرحمةُ عليكم فلم تهتدوا لها، فتُقِرُّوا بها، وتُصَدِّقوا رسولَكم عليها (١).

وقرأ ذلك عامةُ قرأةِ الكوفيين: ﴿فَعُمِّيَتْ عَلَيْكُمْ﴾ بضمِّ العينِ وتشديدِ "الميمِ" (٢)، اعتبارًا منهم ذلك بقراءةِ عبدِ اللَّهِ، وذلك أنها (٣) فيما ذُكِر في قراءةِ عبدِ اللَّهِ: (فعمَّاها عليكم) (٤).

وأولى القراءتين في ذلك عندي بالصوابِ قراءةُ مَن قرأَه: ﴿فَعُمِّيَتْ عَلَيْكُمْ﴾ (٥) بضمِّ العينِ وتشديدِ الميمِ؛ للذي ذَكَروا مِن العلةِ لمَن قرَأ به، ولقربِهِ مِن قولِهِ: ﴿أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَآتَانِي رَحْمَةً مِنْ عِنْدِهِ﴾. فأضافَ الرحمةَ إلى اللَّهِ، فكذلك تعميتُه على الآخرين بالإضافةِ إليه أولى. وهذه الكلمةُ مما حَوَّلت العربُ الفعلَ عن موضعِه؛ وذلك أن الإنسانَ هو الذي يَعْمَى عن إبصارِ الحقِّ، إذ يَعْمَى عن إبصارِه، والحقُّ لا يوصفُ بالعَمَى، إلا على الاستعمالِ الذي قد جَرَى به الكلامُ، وهو في جوازِه لاستعمالِ العربِ إياه، نظيرُ قولِهم: دَخَل الخاتمُ في يَدِي، والخُفُّ في رِجْلي. ومعلومٌ أن الرِّجْلَ هي التي تدخلُ في الخُفِّ، والأُصْبُعَ في الخاتمِ، ولكنهم استعملوا ذلك كذلك، لمَّا كان معلومًا المرادُ فيه (٦).


(١) هي قراءة نافع وابن كثير وأبي عمرو وابن عامر وعاصم في قراءة أبي بكر. ينظر السبعة ص ٣٣٢، وحجة القراءات ص ٣٣٨. والكشف ١/ ٥٢٧ والتيسير ص ١٠١.
(٢) هي قراءة حفص عن عاصم، وحمزة والكسائي، ينظر المصادر السابقة.
(٣) سقط من: ت ٢، وفي م: "أنهما".
(٤) هي قراءة عبد الله بن مسعود وأبيّ وعلي والسلمي والحسن والأعمش وهي قراءة شاذة. ينظر حجة القراءات ص ٣٣٨، ومختصر شواذ ابن خالويه ص ٦٤، والبحر المحيط ٥/ ٢١٦.
(٥) هذه القراءة، وقراءة (فَعَمِيَتْ) كلتاهما صواب.
(٦) ينظر معاني القرآن ٢/ ١٢.