للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فيكونُ قولُه: ﴿بِسْمِ اللَّهِ﴾. كلامًا مُكْتَفِيًا بنفسِه، كقولِ القائلِ عندَ ابتدائِه في عملٍ يعملُه: باسمِ اللَّهِ. ثم يكونُ المُجْرَى والمُرْسَى منصوبَين على ما نصَبت العربُ قولَهم: الحمدُ للَّهِ سِرارَك وإهلالَك. يعنون الهلالَ أولَه وآخرَه. كأنهم قالوا: الحمدُ للَّهِ أولَ الهلالِ وآخرَه. ومسموعٌ منهم أيضًا: الحمدُ للَّهِ ما إهلالَك إلى سِرارِك.

وقرأ ذلك عامةُ قرأةِ الكوفيين: ﴿بِسْمِ اللَّهِ مَجْرَاهَا وَمُرْسَاهَا﴾، بفتحِ الميمِ مِن ﴿مَجْرَاهَا﴾، وضَمِّها مِن ﴿وَمُرْسَاهَا﴾ (١)، فجعلوا ﴿مَجْرَاهَا﴾ مصدرًا مِن جَرَى يَجْرِي مَجْرًى. و ﴿وَمُرْسَاهَا﴾، مِن أرسَى يُرْسِي إِرساءً. وإذا قُرِئ ذلك كذلك كان في إعرابِهما مِن الوجهين نحوُ الذي فيهما إذا قُرِئا: (مُجرَاها ومُرساها)، بضمِّ الميمِ فيهما على ما بيَّنتُ.

ورُوِي عن أبي رجاءٍ العُطارديِّ، أنه كان يقرأُ ذلك: (بسمِ اللَّهِ مُجْرِيها وَمُرْسِيها) بضمِّ الميمِ فيهما، ويُصَيِّرُهما نعتًا للَّهِ (٢). وإذا قُرِئا كذلك، كان فيهما أيضًا وجهان مِن الإعرابِ، غيرَ أن أحدَهما الخفضُ، وهو الأغلبُ عليهما مِن وَجْهيِ الإعرابِ؛ لأن معنى الكلامِ على هذه القراءةِ: بسمِ اللَّهِ مُجْرِي الفلكِ ومُرسِيها. فالمُجْرِي نعتٌ لاسمِ اللَّهِ. وقد يَحْتَملُ أن يكونَ نصبًا، وهو الوجهُ الثاني؛ لأنه يَحسُنُ دخولُ الألفِ واللامِ في المُجْرِي والمُرْسِي، كقولِك: بسم اللَّهِ المُجْرِيها والمُرْسِيها. وإذا حُذِفتا نُصِبتا على الحالِ، إذ (٣) كان فيهما معنى النَّكرةِ وإن كانا مضافَين إلى المعرفةِ.

وقد ذُكِر عن بعضِ الكوفيِّين أنه قرَأ ذلك: (مَجْراها ومَرْساها)، بفتحِ الميمِ


(١) وهي قراءة عاصم في رواية حفص، وحمزة والكسائي مع إمالة الراء. ينظر المصادر السابقة.
(٢) ينظر البحر المحيط ٥/ ٢٢٥.
(٣) في ت ١، ت ٢، س، ف: "إذا".