للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فيهما جميعًا (١) مِن جرَى ورَسا، كأنه وجَّهه إلى أنه: في حالِ جَرْيِها، وحالِ رُسُوِّها. وجعل كلتا الصفتَين للفُلْكِ، كما قال عنترةُ (٢):

فصَبَرتُ [نفسًا عندَ ذلك] (٣) حُرَّةً … تَرْسُو إذا نَفْسُ الجبانِ تَطَلَّعُ

والقراءةُ التي نختارُها في ذلك قراءةُ مَن قرَأ: ﴿بِسْمِ اللَّهِ مَجْرَاهَا﴾ بفتح الميمِ ﴿وَمُرْسَاهَا﴾ بضمِّ الميمِ، بمعنى: بسمِ اللَّهِ حِينَ تَجْري وحينَ تُرْسِي. وإنما اخترتُ الفتحَ في ميمِ ﴿مَجْرَاهَا﴾ لقربِ ذلك مِن قولِه: ﴿وَهِيَ تَجْرِي بِهِمْ فِي مَوْجٍ كَالْجِبَالِ﴾. ولم يقلْ: تُجْرَى بهم. ومَن قرَأ: (بِسْمِ اللَّهِ مُجْراها). كان الصوابُ على قراءتِه أن يقرأَ: (وهي تُجْرَى بهم). وفي إجماعِهم على قراءةِ: (تَجْرِي). بفتحِ التاءِ دليلٌ واضحٌ على أن الوجهَ في ﴿مَجْرَاهَا﴾ فتحُ الميمِ. وإنما اخْترنا الضمَّ في ﴿مُرْسَاهَا﴾ لإجماعِ الحجةِ مِن القَرَأةِ على ضمِّها، ومعنى قولِه: ﴿مَجْرَاهَا﴾، مسيرُها. ﴿وَمُرْسَاهَا﴾: وَقْفُها، من: وقَفها اللَّهُ وأَرْساها.

وكان مجاهدٌ يقرأُ ذلك بضمِّ الميمِ في الحرفين جميعًا.

حدَّثني المُثَنَّى، قال: ثنا أبو حُذَيفةَ، قال: ثنا شِبلٌ، عن ابنِ أبي نَجيحٍ، عن مجاهدٍ. قال: ثنا إسحاقُ، قال: ثنا عبدُ اللَّهِ، عن وَرقاءَ، عن ابنِ أبي نَجيحٍ، عن مجاهدٍ: (بسم اللَّهِ مُجْراها ومُرْساها) قال: حينَ يَركَبون ويُجْرُون ويُرْسُون (٤).


(١) وهي قراءة شاذة، وقد قرأ بها ابن مسعود وعيسى الثقفي وزيد بن علي والأعمش. ينظر البحر المحيط ٥/ ٢٢٥.
(٢) في شرح ديوانه ص ٨٩، واللسان (ص ب ر).
(٣) في الديوان واللسان: "عارفة لذلك".
(٤) تفسير مجاهد ص ٣٨٧، ومن طريقه ابن أبي حاتم في تفسيره ٦/ ٢٠٣٣.