للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يقولُ ﷿: قالت الملائكةُ للوطٍ لمَّا قال لوطٌ لقومِه: ﴿لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِي إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ﴾. ورَأَوا ما لَقِيَ مِن الكَرْبِ بسببِهم منهم: ﴿يَالُوطُ إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ﴾، أُرْسِلنا لإهْلاكِهم، وإنهم لن يَصِلوا إليك، وإلى ضَيْفِك بمَكْروهٍ، فهَوِّنُ عليك الأمرَ، ﴿فَأَسْرِ (١) بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ﴾. يقولُ: فاخرُجْ مِن بينِ أظْهُرِهم أنت وأهلُك ببقيةٍ مِن الليلِ.

يقالُ منه: أَسْرى وسَرَى، وذلك إذا سارَ بليلٍ، ﴿وَلَا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ إِلَّا امْرَأَتَكَ﴾.

واختَلَفت القرأةُ في قراءةِ قولِه: ﴿فَأَسْرِ﴾؛ فقرأ ذلك عامةُ قرأةِ المكيِّين والمدنيِّين: (فاسْرِ)، وصلٌ؛ بغيرِ همزِ الألفِ، مِن "سَرَى".

وقرأ ذلك عامةُ قرأةِ الكوفةِ والبصرةِ: ﴿فَأَسْرِ﴾ (٢) بهمزِ الألفِ، مِن "أَسْرى" (٣).

والقولُ في ذلك عندي أنهما قراءتان قد قرَأ بكلِّ واحدةٍ منهما أهلُ قُدْوةٍ في القراءةِ، وهما لغتان مشهورتان في العربِ، معناهما واحدٌ، فبأيَّتِهما قرَأ القارئُ فمصيبٌ الصوابَ في ذلك.

وأما قولُه: ﴿إِلَّا امْرَأَتَكَ﴾. فإن عامةَ القرأةِ مِن الحجازِ والكوفةِ، وبعضَ أهلِ البصرةِ، قَرءوا بالنصبِ: ﴿إِلَّا امْرَأَتَكَ﴾ (٤)، بتأويلِ: فأسْرِ بأهلِك إلا امرأتَك، وعلى أن لوطًا أُمِر أن يسْرِيَ بأهْلِه سِوى زوجتِه؛ فإنه نُهِي أن يسْرِيَ بها،


(١) في ص، ت ١، ت ٢، س، ف: "وأسر".
(٢) بعده في ص، ت ٢، س، ف: "بهم".
(٣) قرأ ابن كثير ونافع: (فاسرِ بأهلِك). من سريت [بغير همز] وقرأ الباقون: ﴿فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ﴾ من أسريت. السبعة لابن مجاهد ص ٣٣٨.
(٤) هي قراءة نافع وابن عامر وعاصم وحمزة والكسائي. المصدر السابق.