للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فيَسْتَغِيثُ بالآخرِ فيَضْرِبُه، فجعَل لا يَرَى منهم رحيمًا، فضرَبوه حتى كادوا يَقْتُلونه، فجعَل يَصِيحُ ويقول: يا أبتاه، يا يعقوبُ، لو تَعْلَمُ ما صنَع بابنِك بنو الإماءِ. فلما كادوا يَقْتُلونه قال يَهُوذَا: أليس قد أعْطَيْتُمُونِي مَوْثِقًا أَلَّا تَقْتُلوه؟ فانْطَلَقوا به إلى الجُبِّ ليَطْرَحوه، فجعَلوا يُدْلُونه فى البئرِ، فيَتَعَلَّقُ بشَفيرِ البئرِ، فربَطوا يديه، ونزَعوا قميصَه، فقال: يا إخْوتاه، رُدُّوا عليَّ قميصى، أَتَوارَى به في الجُبِّ. فقالوا: ادعُ الشمسَ والقمرَ والأحدَ عشرَ كوكبًا تُؤْنِسْك. قال: إني لم أَرَ شيئًا، فدلَّوْه فى البئرِ، حتى إذا بلَغ نصفَها، ألْقَوْه إرادةَ أن يَموتَ، وكان في البئرِ ماءٌ، فسقط فيه، ثم أوى إلى صخرةٍ فيها، فقام عليها، قال: فلما أَلْقَوْه في البئرِ جعَل يبكي، فنادَوْه، فظنَّ أنها رحمةٌ أَدْرَكَتهم، فلبَّاهم، فأرادوا أن يَرْضَخوه بصخرةٍ فيَقْتُلوه، فقام يَهُوذَا فمنَعَهم، وقال: قد أعْطَيْتُمونى موْثِقًا ألا تَقْتُلُوه. وكان يَهوذا يَأْتِيه بالطعامِ (١).

وقولُه: ﴿فَلَمَّا ذَهَبُوا بِهِ وَأَجْمَعُوا﴾. فأُدْخِلَت الواوُ في الجوابِ، كما قال امرُؤُ القيسِ (٢):

فلمَّا أَجَزْنا ساحةَ الحيِّ وانْتَحَى … بنا بَطْنُ [خبْتٍ ذي قفافٍ] (٣) عَقَنْقَلِ

فأَدْخَل الواوَ في جوابِ لما، وإنما الكلامُ: فلمَّا أجَزْنا ساحةَ الحَيِّ انْتَحَى بنا، وكذلك: ﴿فَلَمَّا ذَهَبُوا بِهِ وَأَجْمَعُوا﴾. لأن قولَه: ﴿وَأَجْمَعُوا﴾ هو الجوابُ.


(١) أخرجه المصنف فى تاريخه ١/ ٣٣٢ بنفس الإسناد، وأخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره ٧/ ٢١٠٨، ٢١٠٩ (١١٣٧٥، ١١٣٧٦) من طريق أسباط به.
(٢) ديوانه ص ١٥.
(٣) في م: "خبت ذى حقاف"، وفى الديوان: "حقف ذى ركام". والخبت: ما اطمأن من الأرض واتسع. والقفاف جمع قُف والقُفُّ: ما ارتفع من الأرض وغلظ ولم يبلغ أن يكون جبلا. والعقنقل، كسفرجل: الوادى العظيم المتسع. التاج (خ ب ت، ق ف ف، ع ق ل)