للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ولم يَشُكُّوا أنه سرق، قالوا - أسَفًا عليهم، لِما دخَل عليهم في أنفسِهم تَأْنِيبًا له -: ﴿إِنْ يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَهُ مِنْ قَبْلُ﴾. فلما سمِعها يوسُفُ قال: ﴿أَنْتُمْ شَرٌّ مَكَانًا﴾، سِرًّا في نفسه، ولم يُبْدِها لهم، ﴿وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا تَصِفُونَ﴾ (١).

وقولُه: ﴿فَأَسَرَّهَا يُوسُفُ فِي نَفْسِهِ وَلَمْ يُبْدِهَا لَهُمْ قَالَ أَنْتُمْ شَرٌّ مَكَانًا وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا تَصِفُونَ﴾. يعنى بقولِه: ﴿فَأَسَرَّهَا﴾: فَأَضْمَرها.

وقال: ﴿فَأَسَرَّهَا﴾. فأنَّت؛ لأنه عُنِى بها الكلمةُ، وهى ﴿أَنْتُمْ شَرٌّ مَكَانًا وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا تَصِفُونَ﴾، ولو كانت جاءت بالتذكير كان جائزًا، كما قيل: ﴿تِلْكَ (٢) مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ﴾ [هود: ٤٩]، ﴿ذَلِكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْقُرَى﴾ [هود: ١٠٠].

وكنى عن الكلمةِ، ولم يَجْرِ لها ذكرٌ مُتَقَدِّمٌ. والعربُ تَفْعَلُ ذلك كثيرًا، إذا كان مفهومًا المعنى المراد عند سامِعِى الكلامِ، وذلك نظيرُ قولِ حاتمٍ الطائيِّ (٣):

أَمَاوِيَّ مَا يُغْنِي الثَّراءُ عن الفتى … إذا حشْرَجَت يومًا (٤) وضاق بها الصَّدْرُ

يُرِيدُ: وضاق بالنَّفَسِ الصدرُ، فكنَى عنها، ولم يَجْرِ لها ذكرُ، إذ كان في قولِه: إذا حشرَجت يومًا دَلالةٌ لسامعِ كلامِه على مرادِه بقولِه: وضاق بها. ومنه قولُ اللَّهِ: ﴿ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ هَاجَرُوا مِنْ بَعْدِ مَا فُتِنُوا ثُمَّ جَاهَدُوا وَصَبَرُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ [النحل: ١١٠].


(١) أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره ٧/ ٢١٨٠ (١١٨٤١) من طريق سلمة عن ابن إسحاق مختصرًا.
(٢) في ص، ت ١، ت ٢، ف: "ذلك". وينظر معاني القرآن ٢/ ٥٢.
(٣) ديوانه ص ٢١٠، وغيره كثير.
(٤) في الديوان: "نفس" والمثبت هو المشهور من رواية البيت.