للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقال آخرون في ذلك بما حدَّثنا ابن حميدٍ، قال: ثنا سلمةُ، عن ابن إسحاقَ، عن عبدِ اللهِ بن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ أبى الحجاجِ، قال: كان أولَ ما دخَل على يوسُفَ مِن البلاءِ، فيما بلَغَني، أن عمَّتَه ابنةَ إسحاقَ، وكانت أكبرَ ولدِ إسحاقَ، وكانت إليها (١) مِنْطقَةُ إسحاقَ، وكانوا يَتَوارَثونها بالكِبَرِ، فكان من اخْتانَها (٢) ممَّن ولِيَها كان له سَلَمًا لا يُنازَعُ فيه، يَصْنَعُ فيه ما شاء، وكان يعقوبُ حينَ وُلِد له يوسُفُ، كان قد حضَنته عمَّتُه، فكان معها وإليها، فلم يُحِبَّ أحدٌ شيئًا مِن الأشياء حُبَّها إياه، حتى إذا تَرَعْرَع وبلَغ سنواتٍ، وقَعَت نفسُ يعقوبَ عليه، أتاها فقال: يا أُخَيَّةُ، سلِّمى إليَّ يوسفَ، فواللهِ ما أَقْدِرُ على أن يَغِيبَ عنى ساعةً. قالت: واللهِ، ما أنا بتارِكتِه، واللهِ ما أقْدِرُ أن يَغِيبَ عنى ساعةً. قال: فواللهِ، ما أنا بتاركِه. قالت: فدَعْه عندى أيامًا أَنْظُرْ إليه، وأَسْكُن عنه، لعل ذلك يُسَلِّيني عنه. أو كما قالت. فلما خرَج مِن عندِها يعقوبُ عمَدت إلى مِنْطَقة إسحاقَ، فحزَمَتها على يوسُفَ مِن تحتِ ثيابِه. ثم قالت: لقد فقَدْتُ مِنْطقة إسحاقَ، فانْظُروا مَن أخَذَها ومَن أصابها. فالتُمِسَتْ ثم قالت: كَشِّفوا أهلَ البيت، فكشَّفوهم، فوجَدوها مع يوسفَ، فقالت: واللهِ، إنه لى لسَلَمٌ تصْنَعُ فيه ما شئتُ. قال: وأتاها يعقوبُ، فأخْبَرته الخبرَ، فقال لها: أنت وذاكِ إن كان فعَل ذلك فهو سَلَمٌ لك، ما أَسْتَطِيعُ غير ذلك. فأمْسكَته، فما قدَر عليه يعقوبُ حتى ماتَت. قال: فهو الذي يقولُ إخوةُ يوسُفَ حينَ صنَع بأخيه ما صنَع حين أخَذه: ﴿إِنْ يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَهُ مِنْ قَبْلُ﴾ (٣).

قال ابن حميدٍ: قال: ابن إسحاق: لما رأى بنو يعقوبَ ما صنعَ أخُو يوسُفَ،


(١) بعده في التاريخ: "صارت".
(٢) في م: "اختص بها". واختانها: سرقها.
(٣) أخرجه المصنف في تاريخه ١/ ٣٣٠، وأخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره ٧/ ٢١٧٨ (١١٨٣٧) من طريق سلمة به.