المعقِّباتِ من بين يديه ومن خلفِه، هي حَرَسُه وجَلاوِزَتُه (١) كما قال ذلك من ذكَرنا قولَه.
وإنما قلنا ذلك أولى التأويلين بالصوابِ؛ لأن قولَه: ﴿لَهُ مُعَقِّبَاتٌ﴾. أقربُ إلى قولِه: ﴿وَمَنْ هُوَ مُسْتَخْفٍ بِاللَّيْلِ﴾. منه إلى: ﴿عَالِمُ الْغَيْبِ﴾؛ فهى لقربِها منه أولى بأن تكُونَ من ذكْرِه، وأن يكُونَ المعنيُّ بذلك هذا، مع دَلالةِ قولِ اللَّهِ: ﴿وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءًا فَلَا مَرَدَّ لَهُ﴾. على أنهم المعنِيُّون بذلك، وذلك أنه جلَّ ثناؤُه ذكَر قومًا أهلَ معصيةٍ له وأهلَ رِيبةٍ، يَسْتَخْفُون بالليلِ، ويَظْهَرُون بالنهارِ، ويَمْتَنِعُون عندَ أنفسِهم بحرسٍ يَحْرُسُهم، ومَنَعَةٍ تَمْنَعُهم من أهلِ طاعتِه، أن يَحُولوا بينَهم وبينَ ما يَأْتُون من معصيةِ اللَّهِ، ثم أخبَر أن اللَّهَ تعالى ذكرُه إذا أراد بهم سوءًا لم يَنْفَعْهم حرسُهم، ولا يَدْفَعُ عنهم حِفْظُهم.
وقولُه: ﴿يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ﴾. اختلَف أهلُ التأويلِ في تأويلِ هذا الحرفِ على نحوِ اختلافِهم في تأويلِ قولِه: ﴿لَهُ مُعَقِّبَاتٌ﴾. فمَنْ قال: المعقباتُ هي الملائكةُ. قال: الذين يَحْفَظُونه من أمرِ اللَّهِ هم أيضًا الملائكةُ. ومَنْ قال: المعقباتُ هي الحرسُ والجلاوزةُ من بنى آدمَ، قال: الذين يَحْفَظُونه من أمرِ اللَّهِ هم أولئك الحرسُ.
واختلَفوا أيضًا في معنى قولِه: ﴿مِنْ أَمْرِ اللَّهِ﴾. فقال بعضُهم: حِفْظُهم إياه: من أمرِه. وقال بعضُهم: ﴿يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ﴾: بأمرِ اللَّهِ.
(١) الجِلْواز: الشرطى والجمع جَلاوِزة. اللسان (ج ل ز).