للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِهِمْ ذَلِكَ لِمَنْ خَافَ مَقَامِي وَخَافَ وَعِيدِ (١٤)﴾.

يقولُ عزّ ذكرُه: وقال الذين كفروا باللَّهِ لرسلهم الذين أرسلوا إليهم، حين دعَوْهم إلى توحيدِ اللَّهِ، وإخلاص العبادة له، وفراق عبادة الآلهة والأوثان: ﴿لَنُخْرِجَنَّكُم مَّنْ أَرْضِنَا﴾ يعنون: من بلادنا، فنطرُدَكم عنها، ﴿أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا﴾ يعنُون: إلا أن تعُودوا في ديننا الذي نحن عليه من عبادة الأصنام.

وأُدخِلت في قوله: ﴿لَتَعُودُنَّ﴾ لامٌ، وهو في معنى شرطٍ، كأنه جوابٌ لليمين، وإنما معنى الكلام: لنخرجنَّكم من أرضِنا، أو تعودون (١) في ملتنا.

ومعنى "أو" هاهنا معني "إلا" أو معنى "حتى"، كما يقال في الكلام: لأضرِبنك أو تُقِرَّ لي. فمن العربِ مَن يجعَلُ ما بعد "أو" في مثلِ هذا الموضع عطفًا على ما قبله؛ إن كان ما قبله جزمًا جزمُوه، وإن كان نصبًا نصبوه، وإن كان فيه لامٌ جعلوا فيه لامًا؛ إذ كانت "أو" حرفَ نسْقٍ، ومنهم مَن ينصِبُ ما بعد "أو" بكلِّ حالٍ، ليُعلم بنصبه أنه عن الأوَّلِ منقطع عما قبلَه، كما قال امرؤ القيس (٢):

بَكَى صاحبي لما رأى الدَّرْبَ دُونَهُ … وأَيْقَنَ أَنَّا لاحقانِ بِقَيْصَرَا

فَقُلْتُ لَه: لا تَبْكِ عَيْنُكَ إِنَّمَا … نحاوِلُ مُلْكا أو نَمُوتَ فَنُعْذَرَا

فنصب "نموتَ فنعذرا"، وقد رفع "نحاول"؛ لأنَّه أراد معنى: إلا أن نموتَ، أو حتى نموتَ، ومنه قولُ الآخر (٣):

لا أَسْتَطِيعُ نُزُوعًا عَنْ مَوَدَّتِها … أو يَصْنَعَ الحَبُّ بِي غيرَ الَّذِي صَنَعا


(١) في م: "تعودن".
(٢) ديوانه ص ٦٥، ٦٦.
(٣) هو الأحوص الأنصارى، والبيت في ديوانه ص ١٥٣، وينسب أيضًا للمجنون وهو في ديوانه ص ٢٠٠.