للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أُضْمِر الهاءُ في "لو" ليس (١) بمفعولٍ، وهو موضعُ المفعولِ، ولا يَنْبَغى أن يُتَرْجَمَ المصدرُ بشيءٍ، وقد ترجمَه بشيءٍ، ثم جعَله وُدًّا، ثم أعاد عليه عائدًا، فكان الكسائي والفرَّاءُ (٢) يقولان: لا تكادُ العربُ تُوقِعُ "رُبَّ" على مستقبَلٍ، وإنما يُوقِعونها على الماضي مِن الفعلِ، كقولِهم: ربَّما فعَلتُ كذا. و: ربما جاءني أخوك. قالا: وجاء في القرآنِ مع المستقبلِ: ﴿رُبَمَا يَوَدُّ﴾. وإنما جاز ذلك؛ لأن ما كان في القرآنِ مِن وعدٍ ووعيدٍ وما فيه، فهو حقٌّ، كأنه عِيانٌ، فجرَى الكلامَ فيما لم يَكُنْ بعدُ منه مجراه فيما كان، كما قيل: ﴿وَلَوْ تَرَى إِذِ الْمُجْرِمُونَ نَاكِسُو رُءُوسِهِمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ﴾ [السجدة: ١٢]. وقولِه: ﴿وَلَوْ تَرَى إِذْ فَزِعُوا فَلَا فَوْتَ﴾ [سبأ: ٥١]. كأنه ماضٍ وهو منتظَرٌ؛ لصدقِه في المعنى - وأنه لا مكذِّبَ له - وإن القائل ليقولُ إذا نَهَى أو أمَر فعصاه المأمورُ: أما واللهِ لرُبَّ ندامةٍ لك تَذْكُرُ قولى فيها. لعلمِه بأنه سيَنْدَمُ ويقولُ، واللهُ ووعدُه أصدقُ مِن قولِ المخلوقين.

وقد يجوزُ أن يَصْحَبَ "ربَّما" الدائمُ (٣)، وإن كان في لفظ "يَفْعَلُ"، يقالُ: ربَّما يموتُ الرجلُ فلا يُوجَدُ له كفنٌ. وإن أُوليتِ الأسماءَ، كان معَها ضميرٌ "كان"، كما قال أبو (٤) دواد (٥):

ربَّما الجاملُ (٦) المؤبَّلُ (٧) فيهم … وعَناجِيجُ (٨) بينَهن المِهارُ


(١) في م: "فليس".
(٢) معاني القرآن ٢/ ٨٢.
(٣) المراد بالدائم عند الكوفيين اسم الفاعل. مصطلحات النحو الكوفي ص ٥٠.
(٤) في ص، ت ١، ت ٢، ف: "ابن".
(٥) ديوانه (دراسات في الأدب العربي) ص ٣١٦.
(٦) الجامل: جماعة من الإبل تقع على الذكور والإناث، لا واحد لها من لفظها. ينظر اللسان (ج م ل).
(٧) المؤبلة: الإبل إذا كانت للقنية. الصحاح (أ ب ل).
(٨) العناجيج، واحدها عنوج: النجيب من الإبل، وقيل: هو الطويل العنق من الإبل والخيل. اللسان (ع ن ج).