يعنى بقولِه: ﴿وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ﴾: ولقد عرَفْتُم، كقولِك: قد عَلِمْتُ أخاك، ولم أَكُنْ أَعْلَمُه. يعنى: عرَفْتُه ولم أَكُنْ أَعْرِفُه. كما قال جلَّ ثناؤُه: ﴿وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللهُ يَعْلَمُهُمْ﴾ [الأنفال: ٦٠]. يعنى: لا تَعْرِفونهم، اللهُ يَعْرِفُهم.
وقولُه: ﴿الَّذِينَ اعْتَدَوْا مِنْكُمْ فِي السَّبْتِ﴾. أى: الذين تَجاوَزُوا حَدِّى، وركِبوا ما نهَيْتُهم عنه في يومِ السبتِ، وعصَوْا أمْرى.
وقد دلَّلْتُ فيما مضَى على أن الاعْتِداءَ أصلُه تَجاوُزُ الحدِّ في كلِّ شيءٍ، بما أغْنَى عن إعادتِه في هذا الموضعِ (١).
قال: وهذه الآيةُ وآياتٌ بعدَها تَتْلُوها، مما عدَّد جلَّ ثناؤُه فيها على بنى إسرائيلَ -الذين كانوا بينَ خِلالِ دُورِ الأنصارِ زمانَ النبىِّ ﷺ، الذين ابْتَدَأ بذكرِهم في أولِ هذه السورةِ مِن نَكْثِ أسْلافِهم عهدَ اللهِ ومِيثاقَه- ما كانوا يُبْرِمون مِن العقودِ، وحذَّر المُخاطَبين بها أن يَحِلَّ بهم -بإصرارِهم على كفرِهم ومُقامِهم على جُحودِ نبوةِ محمدٍ ﷺ، وتركِهم اتباعَه والتصديقَ بما جاءَهم به مِن عندِ ربِّه- مثلُ الذى حلَّ بأوائلِهم مِن المَسْخِ والرَّجْفِ والصَّعْقِ، وما لا قِبَلَ لهم به مِن غَضَبِ اللهِ وسَخَطِه.
كالذى حدَّثنا أبو كُرَيْبٍ، قال: ثنا عثمانُ بنُ سعيدٍ، قال: ثنا بشرُ بنُ عُمارةَ، عن أبى رَوْقٍ، عن الضحاكِ، عن ابنِ عباسٍ: ﴿وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَوْا مِنْكُمْ فِي السَّبْتِ﴾ يقولُ: ولقد عرَفْتُم. وهذا تحذيرٌ لهم مِن المعصيةِ، يقولُ: احْذَرُوا أن يُصِيبَكم ما أصاب أصحابَ السبتِ إذ عصَوْنى، ﴿اعْتَدَوْا﴾، يقولُ: اجْتَرَءوا، ﴿فِي السَّبْتِ﴾. قال: لم يَبْعَثِ اللهُ نبيًّا إلا أمَره بالجُمُعةِ، وأخْبَرَه بفضلِها وعِظَمِها في السَّماواتِ وعندَ الملائكةِ، وأنَّ الساعةَ تَقُومُ فيها، فمَن اتَّبَع الأنبياءَ فيما