مضَى، كما اتَّبَعَتْ أمةُ محمدٍ ﷺ محمدًا، قَبِل الجُمُعةَ، وسمِع وأطاع وعرَف فضلَها، وثبَت عليها بما أمَره اللهُ تعالى به ونبيُّه ﷺ، ومَن لم يَفْعَلْ ذلك كان بمنزلةِ الذين ذكَر اللهُ في كتابِه، فقال: ﴿وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَوْا مِنْكُمْ فِي السَّبْتِ فَقُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ﴾. وذلك أن اليهودَ قالت لموسى حين أمَرَهم بالجمعةِ، وأخْبَرَهم بفضلِها: يا موسى، كيف تَأْمُرُنا بالجُمُعةِ وتُفَضِّلُها على الأيامِ كلِّها، والسبتُ أفضلُ الأيامِ كلِّها؛ لأن اللهَ خلَق السماواتِ والأرضَ والأقْواتَ في ستةِ أيامٍ، وسبَت (١) له كلُّ شيءٍ مُطِيعًا يومَ السبتِ، وكان آخرَ الستةِ؟
قال: وكذلك قالت النصارَى لعيسى ابنِ مريمَ حينَ أمَرَهم بالجُمُعةِ، قالوا له: كيف تَأْمُرُنا بالجمعةِ، وأولُ الأيامِ أفضلُها وسيِّدُها، والأولُ أفضلُ، واللهُ واحدٌ، والواحدُ الأولُ أفضلُ؟ فأوْحَى اللهُ إلى عيسى أنْ دَعْهم والأحدَ، ولكن ليَفْعَلوا فيه كذا وكذا مما أمَرَهم به، فلم يَفْعَلوا، فقصَّ اللهُ تعالى قَصَصَهم في الكتابِ بمعصيتِهم.
قال: وكذلك قال اللهُ لموسى حينَ قالت له اليهودُ ما قالوا في أمرِ السبتِ أنْ دَعْهم والسبتَ فلا يَصِيدوا فيه سمكًا ولا غيرَه، ولا يَعْمَلوا شيئًا، كما قالوا. قال: فكان إذا كان السبتُ ظهَرَتِ الحِيتانُ على الماءِ، فهو قولُه: ﴿إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتَانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعًا﴾ [الأعراف: ١٦٣]. يقولُ: ظاهرةً على الماءِ -ذلك لمعصيتِهم موسى- وإذا كان غيرُ يومِ السبتِ صارت صيدًا كسائرِ الأيامِ، فهو قولُه: ﴿وَيَوْمَ لَا يَسْبِتُونَ لَا تَأْتِيهِمْ﴾. ففعَلَت الحيتانُ ذلك ما شاء اللهُ، فلما رأَوْها كذلك طمِعوا في أخْذِها، وخافوا العقوبةَ، فتناوَل بعضُهم منها، فلم تَمْتَنِعْ
(١) سبت له: سكن وخشع وانقطع إلا عن العبادة. ينظر التاج (س ب ت).