للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

عليه، وحذِر العقوبةَ التى حذَّرهم موسى مِن اللهِ تعالى، فلما رأَوا أن العقوبةَ لا تَحِلُّ بهم عادوا وأخْبَرَ بعضُهم بعضًا بأنهم قد أخَذوا السمكَ ولم يُصِبهم شيءٌ، فكثَّروا في ذلك، وظنُّوا أن ما قال لهم موسى كان باطلًا، وهو قولُ اللهِ جلَّ ثناؤُه: ﴿وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَوْا مِنْكُمْ فِي السَّبْتِ فَقُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ﴾ يقولُ لهؤلاء الذين صادوا السمكَ: فمسَخهم اللهُ قِرَدةً بمعصيتِهم. يقولُ: إذن لم يَحْيَوْا في الأرضِ إلا ثلاثةَ أيامٍ، ولم تَأْكُلْ، ولم تَشْرَبْ، ولم تَنْسُلْ، وقد خلَق اللهُ القردةَ والخنازيرَ، وسائرَ الخلقِ في الستةِ الأيامِ التى ذكَر اللهُ في كتابِه، فمسَخ هؤلاءِ القومَ في صورةِ القِردةِ، وكذلك يَفْعَلُ بمَن شاء كما يَشاءُ، ويُحَوِّلُه كما يَشاءُ (١).

حدَّثنا ابنُ حُميدٍ، قال: ثنا سلمةُ بنُ الفضلِ، قال: ثنا محمدُ بنُ إسحاقَ، عن داودَ بنِ الحُصينِ، عن عِكرمةَ مولى ابنِ عباسٍ، قال: قال ابنُ عباسٍ: إن اللهَ إنما افْتَرَض على بنى إسرائيلَ اليومَ الذى افترض عليكم في عيدِكم، يومَ الجمعةِ، فخالَفوا إلى السبتِ فعظَّموه، وترَكوا ما أُمِروا به، فلمَّا أبَوْا إلا لزومَ السبتِ ابْتَلاهم اللهُ فيه، فحرَّم عليهم ما أحَلَّ لهم في غيرِه، وكانوا في قريةٍ بينَ أَيْلَةَ والطُّورِ يقالُ لها: مَدْيَنُ. فحرَّم اللهُ عليهم في السبتِ الحيتانَ؛ صيدَها وأكلَها، وكانوا إذا كان يومُ السبتِ أقْبَلَت إليهم شُرَّعًا إلى ساحلِ بَحْرِهم، حتى إذا ذهَب السبتُ ذهَبْنَ، فلم يَرَوْا حُوتًا صغيرًا ولا كبيرًا، حتى إذا كان يومُ السبتِ أتَينَ إليهم شُرَّعًا، حتى إذا ذهَب السبتُ ذهَبْنَ، فكانوا كذلك، حتى إذا طال عليهم الأَمَدُ، وقَرِموا (٢) إلى الحيتانِ عمَد رجلٌ منهم، فأخَذ حوتًا سرًّا يومَ السبتِ، فخَزَمَه (٣) بخيطٍ، ثم أرْسَله في


(١) عزاه السيوطي في الدر المنثور ١/ ٧٥، ٣/ ١٣٧ إلى المصنف مختصرًا، وذكره ابن كثير في تفسيره ١/ ١٥١ عن الضحاك به، نحوه.
(٢) القَرَمُ، بالتحريك: شدة الشهوة إلى اللحم. اللسان (ق ر م).
(٣) خزم الشئ يخزمه خزمًا: شكه. اللسان (خ ز م).