للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الماءِ، وأوْتَد له وَتدًا في الساحلِ، فأوْثَقه ثم ترَكه، حتى إذا كان الغدُ جاء فأخَذَه -أى: إنى لم آخُذْه في يومِ السبتِ- ثم انْطَلَق به فأكَلَه، حتى إذا كان يومُ السبتِ الآخرِ عاد لمثلِ ذلك، ووجَد الناسُ ريحَ الحيتانِ، فقال أهلُ القريةِ: واللهِ لقد وجَدْنا ريحَ الحيتانِ. ثم عثَروا على ما صنَع ذلك الرجلُ، قال: ففعَلوا كما فعَل، وأكَلوا سرًّا زمانًا طويلًا، لم يَعْجَلِ اللهُ عليهم بعقوبةٍ حتى صادوها علانيةً وباعوها بالأسواقِ، وقالت طائفةٌ منهم مِن أهلِ البقيَّةِ (١): ويحَكم! اتَّقُوا اللهَ. ونهَوْهم عما كانوا يَصْنَعون. وقالت طائفةٌ أُخرى لم تَأْكُلِ الحيتانَ، ولم تَنْهَ القومَ عما صنَعوا: ﴿لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا قَالُوا مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ﴾ لسخطِنا أعمالَهم (٢)، ﴿وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ﴾ [الأعراف: ١٦٤].

قال ابنُ عباسٍ: فبينما هم على ذلك أصْبَحَت تلك البَقِيَّةُ في أنديَتِهم ومساجدِهم، وفقَدوا الناسَ فلا يَرَوْنهم، فقال بعضُهم لبعضٍ: إن للناسِ لَشأنًا، فانْظُروا ما هو. فذهَبوا يَنْظُرون في دُورِهم، فوجَدوها مُغَلَّقةً عليهم، قد دخَلوا ليلًا، فغلَّقوها على أنفسِهم، كما يُغَلِّقُ الناسُ على أنفسِهم، فأصْبَحوا فيها قِرَدةً؛ إنهم لَيَعْرِفون الرجلَ بعينِه، وإنه لَقِرْدٌ، والمرأةَ بعينِها وإنها لَقِرْدةٌ، والصبىَّ بعينِه وإنه لَقِرْدٌ.

قال: يقولُ ابنُ عباسٍ: فلولا ما ذكَر اللهُ أنه أنْجَى الذين نَهَوْا عن السُّوء لَقُلْنا: أهْلَك الجميعَ منهم. قالوا: وهى القريةُ التى قال اللهُ لمحمدٍ : ﴿وَاسْأَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْرِ﴾ الآية (٣).


(١) في م: "التقية". وأهل البقية: هم أهل الفهم والطاعة. قال القتيبى: أولو بقية من دين قوم لهم بقية: إذا كانت بهم مُسكة وفيهم خير. ينظر اللسان (ب ق ى).
(٢) في ت ٣: "عليهم".
(٣) أخرجه ابن أبى حاتم في تفسيره ٥/ ١٥٩٧ - ١٦٠٢ مفرقًا من طريق ابن إسحاق به. وعزاه السيوطي=