للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وإنما اختَرنا القولَ الذي اخترناه في المَثَلِ الأوّلِ؛ لأنه تعالى ذكرُه مثَّل مثَلَ الكافر بالعبدِ الذي وصف صفته، ومَثَّل مَثَلَ المؤمن بالذي (١) رزقه رزقا حسنًا، فهو يُنفقُ مما رزَقه سرًّا وجهرًا، فلم يجز أن يكونَ ذلك (٢) لله مثلًا، إذ كان اللهُ إنما مثَّل الكافرَ الذي [حرَمَه التوفيقَ فخذله عن طاعتِه، بالعبدِ الذي] (٣) لا يقدرُ على شيءٍ، بأنه لم يرزقْه رزقًا ينفقُ منه سرًّا، ومثَّل المؤمنَ الذي وفَّقهُ (٤) لطاعتِه فهداه لرشدِه، فهو يعملُ بما يرضاه اللهُ، كالحرِّ الذي بسَط له في الرزقِ، فهو ينفقُ منه سرًّا وجهرًا، واللَّهُ تعالى ذكْرُه هو الرازقُ غيرُ المرزوقِ، فغيرُ جائزٍ أن يُمَثَّلَ إفضالُه وجُودُه، بإنفاقِ المرزوقِ الرزقَ الحسنَ.

وأما المثَلُ الثاني، فإنه تمثيلٌ منه تعالى ذكرُه مَنْ مثَلُه الأبكَمُ الذي لا يقدرُ على شيءٍ، والكفارُ لا شكَّ أن منهم من له الأموالُ الكثيرةُ، ومن يضُرُّ أحيانًا الضرَّ العظيمَ بفسادِه (٥)، فغيرُ كائنٍ ما لا يقدرُ على شيءٍ، كما قال تعالى ذكْرُه، مثلًا لَمن يقدرُ على أشياءَ كثيرةٍ. فإذ كان ذلك كذلك كان أولى المعانى به تمثيلَ ما لا يقدِرُ على شيءٍ، كما قال تعالى ذكرُه، بمثلِه (٦) مما (٧) لا يقدِرُ على شيءٍ، وذلك الوثنُ الذي لا يقدِرُ على شيءٍ، بالأبكمِ الكَلِّ على مولاه الذي لا يقدرُ على شيءٍ، كما قال ووصَف.


(١) في ص، ت ١، ت ٢، ف: "الذي".
(٢) في ت ١: "هذا".
(٣) سقط من: م، ت ١، ت ٢، ف.
(٤) بعده في م، ت ٢، ف: "الله".
(٥) في ص، ت ١، ت ٢: "ففساده".
(٦) في ت ١: "يمثله".
(٧) في م، ف: "ما"، وفى ت ١، ت ٢: "بما".