للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أوعَد قومًا قبلَها على معصيتِهم إياه إن عَصَوْه أذاقهم السوءَ في الدنيا، والعذابَ العظيمَ في الآخرةِ، فقال تعالَى ذكرُه: ﴿وَلَا تَتَّخِذُوا أَيْمَانَكُمْ دَخَلًا بَيْنَكُمْ فَتَزِلَّ قَدَمٌ بَعْدَ ثُبُوتِهَا وَتَذُوقُوا السُّوءَ بِمَا صَدَدْتُمْ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ﴾، فهذا لهم في الدنيا، ﴿وَلَكُمْ﴾ في الآخرة ﴿عَذَابٌ عَظِيمٌ﴾، فهذا لهم في الآخرةِ. ثم أتْبَع ذلك ما لمَنْ أوفى بعهدِ اللهِ وأطاعه، فقال تعالَى: ﴿مَا عِنْدَكُمْ﴾ فى الدنيا ﴿يَنْفَدُ وَمَا عِنْدَ اللَّهِ بَاقٍ﴾، فالذي بيَّن (١) هذه السيئةَ بحكمتِه، أراد (٢) أن يُعْقِبَ ذلك الوعدَ لأهلِ طاعتِه بالإحسانِ (٣) فى الدنيا والغفرانِ في الآخرةِ، وكذلك فعَلَ تعالَى ذكرُه.

وأما القولُ الذى رُوِى عن ابنِ عباسٍ أنه الرزقُ الحلالُ، فإنه محتَمِلٌ أن يكونَ معناه الذي قلنا في ذلك، من أنه تعالى ذكْرُه يُقَنِّعُه في الدنيا بالذي يَرْزُقُه من الحلالِ -وإن قلَّ- فلا تَدْعُوه نفسُه إلى الكثيرِ منه من غيرِ حِلِّه، لا أنه يَرْزُقُه الكثيرَ منه من الحلالِ، وذلك أن أكثرَ العاملين للهِ تعالَى ذكْرُه بما يَرضاه من الأعمالِ، لم نرهم رُزِقوا الرزقَ الكثيرَ من الحلالِ فى الدنيا، ووجَدْنا ضيقَ العيشِ عليهم أغلبَ من السَّعةِ.

وقولُه: ﴿وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾، فذلك لا شَكَّ أنه في الآخرةِ، وكذلك قال أهلُ التأويلِ.

ذكرُ مَن قال ذلك

حدَّثني أبو السائبِ، قال: ثنا أبو معاويةَ، عن إسماعيلَ بن سُمَيعٍ، عن أبى


(١) سقط من: ص، م، ت ٢، ف.
(٢) زيادة يستقيم بها السياق.
(٣) في ص، ت ١، ت ٢، ف: "الإحسان".