للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الصبرِ احتسابًا وابتغاءَ ثوابِ اللهِ؛ لأن اللهَ يُعَوِّضُه مِن الذى أراد أن يَنالَه، بانتقامِه من ظالمِه على ظلمِه إياه، من لذةِ الانتصارِ.

و"هو" مِن قولِه: ﴿لَهُوَ﴾ كنايةٌ عن الصبر، وحسُن ذلك، وإن لم يَكُنْ ذكَر قبلَ ذلك الصبرَ؛ لدَلالةِ قولِه: ﴿وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ﴾. عليه.

وقد اخْتلَف أهلُ التأويلِ فى السببِ الذي مِن أجلِه نزَلَت هذه الآيةُ. وقيل: هي منسوخةٌ أو مُحْكَمةٌ؛ فقال بعضُهم: نزلَت من أجلِ أن رسولَ اللهِ وأصحابَه أَقْسَموا حينَ فعَل المشركون يومَ أُحُدٍ ما فعَلوا بقَتْلَى المسلمين، من التمثيلِ بهم، أن يُجاوِزوا فعلَهم فى المُثْلةِ بهم، إن رُزِقوا الظَّفَرَ عليهم يومًا، فنهاهم اللهُ عن ذلك بهذه الآية، وأمَرَهم أن يَقْتَصِروا في التمثيلِ بهم، إن هم ظفِروا (١)، على مثلِ الذى كان منهم، ثم أمرَهم بعدَ ذلك بتركِ التمثيلِ، وإيثارِ الصبرِ عنه بقولِه: ﴿وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلَّا بِاللَّهِ﴾. فنسَخ بذلك عندَهم ما كان أذِن لهم فيه مِن المُثْلَةِ.

ذكرُ مَن قال ذلك

حدَّثنا محمدُ بنُ عبد الأعلى، قال: ثنا المعتمرُ، قال: سمِعْتُ داودَ، عن (٢) عامرٍ، أن المسلمين قالوا لمَّا مثَّل (٣) المشركون بقَتْلاهم يومَ أُحُدٍ: لَئِن ظَهَرْنا عليهم لنَفْعَلَنَّ ولَنَفْعَلَنَّ. فأنْزَل اللهُ تعالى: ﴿وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ﴾. قالوا: بل نَصْبِرُ (٤).

حدَّثنا محمدُ بنُ المثنى، قال: ثنا عبدُ الوهَّابِ، قال: ثنا داودُ، عن عامرٍ،


(١) بعده في ت ١: "بهم".
(٢) في ص، ت ١، ت ٢، ف: "ابن".
(٣) فى م: "فعل"، وفى ت ١، ت ٢، ف: "قتل".
(٤) أخرجه ابن أبي شيبة ١٤/ ٣٨٩ من طريق داود به.