للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مالَه، ولأَنْكِحَنَّ ابنتَه، ولَآكُلَنَّ دِيتَه. فأتاه الفتى، وقد قَدِم تجارٌ في بعضِ أسْباطِ بنى إسرائيلَ، فقال: يا عمِّ، انْطَلِقْ معى، فخُذْ لى مِن تجارةِ هؤلاء القومِ لعلى أُصِيبُ فيها (١)، فإنهم إذا رأَوْك معى أعْطَوْنى. فخرَج العمُّ مع الفتى ليلًا، فلمَّا بلَغ الشيخُ ذلك السِّبطَ قتَله الفتى، ثم رجَع إلى أهلِه، فلما أصْبَح جاء كأنه يَطْلُبُ عمَّه، كأنه لا يَدْرِى أين هو، فلم يَجِدْه، فانْطَلَق نحوَه، فإذا هو بذلك السِّبطِ مُجْتَمِعِين عليه، فأخَذَهم وقال: قتَلْتُم عمِّى، فأدُّوا إليَّ دِيَتَه. وجعَل يَبْكِى، ويَحْثُو الترابَ على رأسِه، ويُنادِى: واعمَّاه! فرفَعَهم إلى موسى، فقضَى عليهم بالديةِ، فقالوا له: يا رسول اللهِ، ادْعُ لنا حتى يَتَبَيَّنَ له مَن صاحبُه، فيُؤْخَذَ صاحبُ الجَريمةِ (٢)، فواللهِ إن ديتَه علينا لَهَيِّنةٌ، ولكنا نَسْتَحِى أن نُعَيَّرَ به. فذلك حينَ يقولُ اللهُ جلَّ ثناؤُه: ﴿وَإِذْ قَتَلْتُمْ نَفْسًا فَادَّارَأْتُمْ فِيهَا وَاللَّهُ مُخْرِجٌ مَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ﴾. فقال لهم موسى: ﴿إِنَّ اللهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً﴾. قالوا: نَسْأَلُك عن القَتيلِ، وعمَّن قتَله، وتَقولُ: اذْبَحوا بقرةً! أتَهْزَأُ بنا؟ قال موسى: ﴿أَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ﴾. قال: قال ابنُ عباسٍ: فلو اعْتَرَضوا بقرةً فذبَحوها لَأَجْزَأَت عنهم، ولكنهم شدَّدُوا وتعَنَّتُوا موسى، فشدَّد اللهُ عليهم، فقالوا: ﴿ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا هِيَ﴾. قال: ﴿إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لَا فَارِضٌ وَلَا بِكْرٌ عَوَانٌ بَيْنَ ذَلِكَ﴾ -والفارِضُ: الهَرِمةُ التى لا تَلِدُ، والبِكْرُ: التى لم تَلِدْ إلا ولدًا واحدًا، والعَوانُ: النَّصَفُ التى بينَ ذلك، التى قد وَلَدَت وولَد ولدُها- ﴿فَافْعَلُوا مَا تُؤْمَرُونَ﴾. قالوا: ﴿ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا لَوْنُهَا﴾. قال: ﴿إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ صَفْرَاءُ فَاقِعٌ لَوْنُهَا تَسُرُّ النَّاظِرِينَ﴾ -قال: تُعْجِبُ الناظرين- قالوا: ﴿ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا هِيَ إِنَّ الْبَقَرَ تَشَابَهَ عَلَيْنَا وَإِنَّا إِنْ شَاءَ اللهُ لَمُهْتَدُونَ﴾. قال: ﴿إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لَا


(١) في تفسير ابن كثير: "منها".
(٢) في ت ١، ت ٣: "الفرجة"، وفى ت ٢: "المرحة".