للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وعندَه قومٌ جلوسٌ بيضُ الوجوهِ، أمثالُ القراطيسِ، وقومٌ في ألوانِهم شيءٌ، فقام هؤلاء الذين في ألوانِهم شيءٌ، فدخَلُوا نهرًا فاغتسَلوا فيه، فخرَجُوا وقد خلَص مِن ألوانِهم شيءٌ، ثُم دخَلوا نهرًا آخرَ، فاغتسَلوا فيه، فخرَجوا وقد خلَص من ألوانِهم شيءٌ، ثم دخلوا نهرًا آخرَ فاغتسَلوا فيه، فخرَجوا وقد خلَص مِن ألوانِهم (١)، فصارتْ مثلَ ألوانِ أصحابِهم، فجاءوا فجلَسوا إلى أصحابِهم، فقال: "يا جبريلُ، من هذا الأشطُ؟ ثم من هؤلاءِ البيضُ وجوهُهم؟ ومَن هؤلاءِ الذين في ألوانهم شيءٌ؟ وما هذه الأنهارُ التي دخَلوا فجَاءوا وقد صفَتْ ألوانُهم؟ " قال: هذا أبوكَ إبراهيمُ، أوَّلُ مَن شَمِط على الأرضِ، وأما هؤلاءِ البيضُ الوجوهِ فقومٌ لم يَلْبِسُوا إيمانَهم بظلمٍ، وأما هؤلاءِ الذين في ألوانِهم شيءٌ، فقومٌ خلَطوا عملًا صالحًا وآخرَ سيئًا فتابوا، فتاب اللهُ عليهم، وأما الأنهارُ فأوَّلُها رحمةُ اللهِ، وثانيها نعمةُ اللهِ، والثالثُ: سقاهم ربُّهم شرابًا طهورًا.

قال: ثم انتهَى إلى السِّدرةِ، فقِيل له: هذه السدرةُ يَنتهِى إليها كلُّ أحدٍ خلا مِن أُمَّتِك على سُنَّتِك. فإذا هي شجرةٌ يَخرُجُ مِن أصلِها أنهارٌ من ماءٍ غيرِ آسنٍ، وأنهارٌ من لبنٍ لم يتغيَّرْ طعمُه، وأنهارٌ من خمرٍ لذةٍ للشاربين، وأنهارٌ من عسلٍ مُصفًّى. وهى شجرةٌ يسيرُ الراكبُ في ظلِّها سبعينَ عامًا لا يقطَعُها، والورقةُ منها مُغَطِّيةٌ للأمةِ (٢) كلِّها. قال: فغشِيها نورُ الخَلاقِ ﷿، وغشِيتْها الملائكةُ أمثالُ الغربانِ حينَ يقعنَ على الشجرِ (٣). قال: فكلَّمه عندَ ذلك، فقال له: سلْ. فقال: "اتخذتَ إبراهيمَ خليلًا، وأعطيتَه مُلكًا عظيمًا، وكلَّمتَ موسى تكليمًا، وأعطَيتَ


(١) بعده في م: "شيء".
(٢) في ص، ت ١، ت ٢، ف: "الأمة".
(٣) في م: "الشجرة".