للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ويدعُونَهم إلى ما تركوا من الطاعة. فلما ملَك ذلك الملكُ، بعث الله معه شعيا بنَ أمصيا، وذلك قبلَ مبعثِ زكريا ويحيى وعيسى، وشعيا الذي بشَّر بعيسى ومحمدٍ، فملَك ذلك الملكُ بنى إسرائيلَ وبيتَ المقدسِ زمانًا، فلما انقضَى ملكُه عظُمت فيهم الأحداثُ وشعيا معه، بعث الله عليهم سنحاريبَ ملك بابلَ، ومعه ستُّمائةِ ألفِ رايةٍ، فأقبلَ سائرًا حتى نزل نحو بيت المقدس - والملكُ مريضٌ؛ في ساقه قُرْحةٌ - فجاء النبيُّ شعيا، فقال له: يا ملك بني إسرائيل، إن سنحاريب ملِكَ بابل، قد نزَل بك هو وجنودُه (١) ستُّمائةِ ألفِ رايةٍ، وقد هابَهم الناسُ وفرقوا منهم. فكبُر ذلك على الملِكِ، فقال: يا نبيَّ الله، هل أتاك وحىٌ مِن الله فيما حدَث فتُخبِرَنا به كيف يَفعَلُ اللهُ بنا وبسنحاريبَ وجنودِه؟ فقال له النبيُّ : لم يَأتِنى وحىٌ أحدث (٢) إلى في شأنك. فبينا هم على ذلك، أوحى الله إلى شعيا النبيِّ، أن ائتِ ملك بني إسرائيل، فمرْه أن يُوصى وصيَّتَه، ويَستَخلِفَ على مُلكِه مَن شَاء مِن أهل بيته. فأتى النبيُّ شعيا ملك بني إسرائيلَ صديقة، فقال له: إن ربَّك قد أوحَى إلى أن أمرَك أن تُوصِيَ وصيتَك، وتَستَخلِفَ مَن شئتَ على مُلكك من أهل بيتِك، فإنك ميِّتٌ. فلما قال ذلك شعيا لصديقة، أقبل على القبلة، فصلَّى وسبَّح ودعَا وبكَى، فقال وهو يَبْكى ويتضرَّعُ إلى الله بقلبٍ مخلصٍ، وتوكلٍ وصبرٍ (٣)، وظنٍّ صادقٍ: اللهمَّ ربَّ الأرباب، وإله الآلهة، قدُّوسَ المتقدِّسين، يا رحمنُ يا رحيمُ، المترحمُ الرَّءوفُ، الذي لا تأخذُه سنةٌ ولا نومٌ، اذكُرْنى بعملى وفعلى وحُسنِ قضائي على بنى إسرائيل، وذلك كلُّه كان منك، فأنت أعلمُ به من نفسي، سرِّى وعلانيتي لك. وإن الرحمن استَجَاب له، وكان عبدًا صالحًا، فأوحَى الله إلى شعيا أن يُخبِرَ


(١) بعده في تاريخ المصنف: "في".
(٢) في ت ١: "حدث".
(٣) بعده في م: "وصدق".