للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

والأرضَ أن أجعل النبوَّةَ في الأُجَراءِ، وأن أُحوِّلَ المُلكَ فِي الرِّعاءِ، والعزَّ فِي الأَذِلَّاءِ، والقوَّةَ في الضعفاء، والغنى في الفقراء، والثروة في الأقلَّاء، والمدائنَ في الفَلَواتِ، والآجامَ في المفاوز، والبَرْدِيَّ (١) في الغِيطانِ، والعلمَ في الجهلَة، والحُكم في الأميين، فسلْهم متى هذا؟ ومَن القائمُ بهذا؟ وعلى يَدَىْ مَن أَسبِّبُه (٢)؟ ومَن أعوانُ هذا الأمر وأنصارُه إن كانوا يعلمون؟ فإنى باعثٌ لذلك نبيًّا أُمَّيًّا (٣)، أعمى مِن عُمْيانٍ (٤)، ضالًا من ضالِّين (٥)، ليس بفظٍّ ولا غليظٍ، ولا بصخَّابٍ في الأسواق، ولا مُتَزيِّنٍ (٦) بالفُحشِ، ولا قوالٍ للحنا، أُسدِّدُه لكلِّ جميلٍ، أَهَبُ له كلَّ خُلقٍ كريمٍ، أَجعَلُ السكينة لباسَه، والبرَّ شِعارَه، والتَّقوى ضميره، والحكمة معقوله، والصدقَ والوفاءَ طبيعتَه، والعفوَ والعِرْفَ (٧) خُلُقه، والعدل والمعروف سيرتَه، والحقَّ شريعتَه، والهدى، إمامَه، والإسلامَ ملَّتَه، وأحمدَ اسمَه، أَهدِى به بعد الضَّلالة، وأُعَلِّمُ به بعد الجهالة، وأرفعُ به بعدَ الحمالة، وأُشْهِرُ به بعد النُّكرة، وأكثِرُ به بعد القِلَّةِ، وأُغنى به بعد العيلَةِ، وأَجمعُ به بعدَ الفُرقة، وأُؤَلِّفُ به قلوبًا مختلِفةً، وأهواءً مشتَّتةً، وأممًا متفرِّقةً، وأجْعَلُ أمَّته خيرَ أُمَّةٍ أخرجت للنَّاسِ، تأمُرُ بالمعروفِ، وتَنْهَى عن المنكرِ، توحيدًا لى، وإيمانًا وإخلاصًا بي، يُصَلُّون لى قيامًا


(١) البردى: نبات مائى من الفصيلة السعدية، تسمو ساقه الهوائية إلى متر أو أكثر، ينمو بكثرة في منطقة المستنقعات بأعالى النيل، وصنع منه المصريون القدماء ورق البردى المعروف. الوسيط (ب ر د).
(٢) في م: "أسنه"، وفى ت ١: "أنشئه".
(٣) بعده في م: "ليس".
(٤) بعده في م: "ولا".
(٥) وهذا المعنى كقوله تعالى: ﴿وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدَى﴾ [الضحى: ٧]. قال ابن كثير في تفسيره ٨/ ٤٤٨: كقوله: ﴿وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ﴾ [الشورى: ٥٢]. وينظر البحر المحيط ٨/ ٤٨٦.
(٦) في ف: "متدين"، وغير منقوطة في ص.
(٧) في ص، ت ١، ت ٢، ف: "المعروف". والعرف: الصبر. التاج (ع ر ف).