للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقعودًا، وركَّعًا وسجودًا، يُقاتلون في سبيلى صفوفًا وزحوفًا، ويَخرجون من ديارهم وأموالهم ابتغاءَ رضوانى، أُلهمُهم التكبير والتوحيدَ، والتسبيحَ والحمدَ والمِدْحَةَ، والتمجيد (١) لى في مساجدهم ومجالسهم، ومضاجعهم ومُتَقَلَّبهم ومثوَاهم، يُكبِّرون ويهلِّلون، ويقدِّسون على رءوس الأسواق، ويُطهِّرون لى الوجوةَ والأطرافَ، ويعقِدُون الثيابَ في الأنصاف، قربانُهم دماؤُهم، وأناجيلُهم صدورُهم، رهبانٌ بالليل، لُيُوثٌ بالنهار، ذلك فضلى أُوتِيه مَن أَشاءُ، وأنا ذو الفضل العظيم. فلما فرَغ نبيُّهم شعيا إليهم من مقالته، عدوا عليه - فيما بلَغَني - ليقتُلُوه، فهرب منهم، فلقيَتْه شجرةٌ، فانفلَقتْ فدخَل فيها، وأدركه الشيطانُ فأَخَذ بهُدْبَةٍ مِن ثوبه فأرَاهم إياها، فوضَعوا المنشارَ في وسَطها فنشَرُوها حتى قطعُوها، وقطَعوه في وسَطِها (٢).

قال أبو جعفرٍ: فعلى القول الذي ذكَرنا عن ابن عباسٍ من رواية السُّديِّ، وقول ابن زيدٍ، كان إفسادُ بني إسرائيل في الأرضِ المرةَ الأولى قَتْلَهم زكريا نبيَّ الله، مع ما كان سلَف مِنهم قبلَ ذلك وبعدَه، إلى أن بَعث الله عليهم من أحلَّ على يده بهم نقمتَه من معاصى الله، وعتوِّهم على ربِّهم. وأما على قول ابن إسحاق الذي روَينا عنه، فكان إفسادُهم المرّة الأولى ما وُصف مع (٣) قتلهم شعيا بنَ أمصيا نبيَّ الله.


(١) في ص، ت ١، ت ٢، ف: "التحميد".
(٢) أخرجه المصنف في تاريخه ١/ ٥٣٦، ٥٣٧ مختصرًا، وذكره البغوي في تفسيره ٥/ ٦٩ وما بعدها بأطول مما هنا، وقال ابن كثير في تفسيره ٥/ ٤٤ عن هذه الآثار وغيرها: وقد وردت في هذا آثار كثيرة إسرائيلية … منها ما هو موضوع، من وضع زنادقتهم، ومنها ما قد يحتمل أن يكون صحيحا، ونحن في غنية عنها، ولله الحمد، وفيما قص الله تعالى علينا في كتابه غنية عما سواه من بقية الكتب قبله، ولم يحوجنا الله ولا رسوله إليهم.
(٣) في م، ت ٢، ف: "من".