للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

طهَّرتُك، ومن قبل أن تبلُغَ السعى نبَّيتُك (١)، ومن قبل أن تبلُغَ الأشدَّ اختبَرتُك (٢)، ولأمر عظيم اجتبيتُك (٣). فبعث الله إرميا إلى ذلك الملكِ من بني إسرائيل يسدِّدُه ويُرْشِدُه، ويأتيه بالخبر من الله فيما بينه وبين الله. قال: ثم عظُمت الأحداثُ في بني إسرائيلَ، وركبوا المعاصيَ، واستحلُّوا المحارم، ونَسُوا ما كان الله تعالى صنَع بهم، وما نجاهم من عدوِّهم سنحاريبَ وجنوده. فأوحَى الله إلى إرمياءَ أن ائتِ قومَك من بنى إسرائيل، واقصُصْ عليهم ما أمرُك به، وذكِّرْهم نعمتى عليهم، وعرِّفْهم أحداثَهم. فقال إرمياءُ: إني ضعيفٌ إن لم تُقوِّنى، عاجزٌ إن لم تُبلِّغْني، مخطئ إن لم تُسدِّدْني، مخذولٌ إن لم تَنصُرْني، ذليلٌ إن لم تُعِزَّنى. قال الله : أوَلم تعلَمْ أن الأمورَ كلَّها تصدُرُ عن مَشيئتى، وأن القلوب كلَّها والألسنةَ بيدى، أُقلِّبُها كيف شئتُ، فتُطيعُني، وإنى أنا الله الذي لا شيء مثلى، قامت السماوات والأرضُ وما فيهنَّ بكلمتى، وأنا كلَّمتُ البحار، ففهمت قولى، وأمَرتُها فعقلتُ أمرى، وحدَّدتُ عليها بالبطحاء فلا تعدَّى حدِّى، تأتى بأمواج [أمثال الجبال] (٤)، حتى إذا بلَغت حدِّى ألبستُها مذلَّةَ طاعتى خوفًا واعترافًا لأمرى، إنِّي معك، ولن يصل إليك شيءٌ معي، وإني بعثتُك إلى خَلْقٍ عظيمٍ مِن خَلقِى؛ لتُبلِّغَهم رسالاتي ولتستحقَّ بذلك مثل أجرِ مَن اتّبَعك منهم لا يَنْقُصُ ذلك من أجورهم شيئًا، وإن تُقصِّرْ عنها [تستحقَّ بذلك] (٥) مثل وزرِ مَن ترَكتَ (٦) في عماه لا ينقصُ ذلك من أوزارهم شيئًا، انطلِقْ إلى


(١) في م: "نبأتك".
(٢) في م: "اخترتك".
(٣) في م: "اختبأتك".
(٤) في م والتاريخ: "كالجبال".
(٥) في م: "فلك".
(٦) في ص: "بركب". وفى م: "تركب". وفى ت ١، ت ٢، ف: "يركب". وأثبتناه كما في التاريخ.